هذا البناء العقلائي يكون حينئذ من قبيل الأمارة الشرعية على عدم ثبوت التكليف في هذا الطرف ، ولازمها ثبوته في الجملة في باقي الأطراف ، وحينئذ يجوز ارتكاب هذا الطرف بل وغيره من الأطراف إلى أن يخرج الاحتمال عن هذا الضعف بواسطة كثرة ما ارتكبه وقلّة ما بقي ، فلو اتّفق ذلك على بُعده بل يمكن القطع بعدم اتّفاقه ، نقول حينئذ إنّه عند وصول النوبة إلى ذلك يكون التردّد بين كونه في الباقي أو فيما تقدّم ارتكابه ، فلا يعود العلم مؤثّراً ، والنتيجة حينئذ هي جواز المخالفة القطعية لو اتّفقت.
وعلى أيّ حال ، فليست المسألة من وادي الظنّ بالعدم في هذا الطرف ، ولا من الظنّ بالوجود في الطرف الآخر ، بل إنّ أساسها هو ضعف احتمال الخطر لو كان مقروناً باحتمالات كثيرة خالية من الخطر ، مثلاً لو كان النجس واحداً في ضمن مائة إناء ، فلو وضعت يدك على هذا الإناء الصغير مثلاً كان هناك مائة احتمال لوجود النجاسة ، أحدها وجودها في هذا الاناء الصغير في قبال احتمال وجودها في الأكبر منه وغيره وغيره إلى تسعة وتسعين احتمالاً ، فكان احتمال وجود النجاسة في هذا الاناء الصغير احتمالاً واحداً من أصل مائة احتمال ، وتلك الاحتمالات كلّها ناشئة عن العلم القطعي بوجود النجاسة في واحد من تلك المائة إناء ، وليس لبعضها قوّة على البعض الآخر ، لأنّ كلّ واحد منها مساوٍ للآخر في كونه معلولاً لذلك العلم الاجمالي ، من دون أن تكون خصوصية في البين توجب قوّة أحد تلك الاحتمالات على الآخر.
وهذه الاحتمالات المتساوية كلّها قد اجتمعت لدى المكلّف ، وليس كلّ واحد منها إلاّمن قبيل الشكّ المتساوي الطرفين ، من دون فرق في ذلك بين كثرة الاحتمالات وقلّتها ، حتّى لو كانت الأواني أربعاً كان كلّ واحد منها احتمالاً