فيكون النزاع من الدوران بين التخيير والتعيين. نعم قيل إنّ العقل يحكم بالتخيير ، إذ لا يفرّق بين الاطاعتين ، وهي دعوى تحتاج إلى إثبات.
وعلى أيّ حال ، لا يكون المقام من قبيل الأقل والأكثر ، إلاّ إذا قلنا إنّ المحرّك هو نفس الأمر بوجوده الواقعي سواء كان معلوماً أو كان محتملاً ، فتكون ذات الأمر هي الباعثة والمحرّكة والداعية ، سواء كانت معلومة أو كانت مشكوكة ، فمن لا يقدّم الاطاعة التفصيلية يكتفي بكون العمل حاصلاً بداعوية الأمر سواء كان معلوماً أو كان مشكوكاً ، ومن يقول بتقدّم الاطاعة التفصيلية يعتبر زيادة على داعوية ذات الأمر أن يكون وجود ذلك الأمر الذي هو بذاته داعيك على الفعل معلوماً لديك ، فيكون المقام من قبيل الأقل والأكثر. لكن قد عرفت أنّه لا محصّل لكون ذات الأمر داعياً ومحرّكاً ، وإنّما الداعي والمحرّك هو امتثاله ، وهو بوجوده العلمي أو بوجوده الاحتمالي ، فلا يكون المقام من قبيل الأقل والأكثر ، بل يكون من قبيل المتباينين ، ويكون النزاع من قبيل النزاع في التعيين والتخيير ، وقد شرحنا ذلك مفصّلاً في أوائل القطع عند الكلام على الامتثال الاجمالي (١) ، فراجع.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّه في صورة العلم الاجمالي بالأمر لابدّ أن يكون امتثال ذلك الأمر المعلوم هو المحرّك له ، فلو كان من قصده عند الاتيان بالظهر هو الامتثال الاحتمالي ، لم يكن ذلك نافعاً في صحّة الاطاعة عقلاً حتّى لو انكشف له بعد الفراغ منها أنّها هي المأمور به ، إذ لم يكن المحرّك له حينئذ هو امتثال ذلك الأمر الذي علمه ، بل كان المحرّك له هو احتمال الامتثال.
وإن شئت فقل : إنّ المحرّك له هو احتمال الأمر ، بمعنى كون المحرّك له هو الوجود الاحتمالي لذلك الأمر ، والمفروض أنّ ذلك الأمر موجود في خزانة
__________________
(١) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٨١ وما بعدها.