في البين ، فلنرجع إلى ما كنّا فيه.
فنقول بعونه تعالى : إنّ حاصل ما تقدّم هو أنّ للعقل في باب الاطاعة حكمين : أحدهما : ما يمكن أن نسمّيه واقعياً ، وهو حكمه بالاطاعة وتفريغ الذمّة عمّا تنجّز على المكلّف ، بحيث إنّه لو كان له لسان لعبّر عن ذلك الحكم بقوله أطع الحكم.
الثاني : ما نسمّيه ظاهرياً احتياطياً ، وهو حكمه بعدم الاتّكال في مقام الاطاعة وتفريغ الذمّة عمّا اشتغلت به على الاحتمال ، وهو مانعبّر عنه بمفاد قاعدة الاشتغال ، وأنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وحاصله : حصّل العلم بفراغ ذمّتك عمّا اشتغلت به ، في قبال الاكتفاء باحتمال الفراغ.
وحينئذ نقول : إنّ الاستصحاب ـ أعني استصحاب التكليف الذي نريد إجراءه في مقام قاعدة الاشتغال ـ إن لم يكن يترتّب عليه إلاّنفس ذلك الأثر الموجود وجداناً بحكم قاعدة الاشتغال ، لم يكن الاستصحاب المذكور جارياً ، وإن ترتّب عليه أثر آخر وهو حكم العقل بالاطاعة وإلزامه المكلّف بتفريغ ذمّته عمّا اشتغلت به ذمّته ، كان الاستصحاب المذكور جارياً ، وكان جريانه رافعاً لموضوع قاعدة الاشتغال. وعليك بتطبيق هذا الضابط على ما ذكرناه من الأمثلة.
قوله : بيان ذلك ... الخ (١).
ملخّص ما أفاده قدسسره في درس الفقه وفي هذا المقام هو : أنّ مقتضى تقدّم الاطاعة التفصيلية على الاحتمالية ، هو لزوم تقليل دائرة الاحتمال مهما أمكن ، فلو صلّى كلاً من الفريضتين إلى كلّ جهة ، بحيث إنّه لا ينتقل من الجهة الأُولى مثلاً إلى الجهة الثانية إلاّبعد الفراغ من كلا الفريضتين فيها وهكذا ، يكون
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ١٣٨.