شيخنا قدسسره في وجه ذلك في خصوص قاعدة « ما لا يدرك » ، هو أنّه يعتبر في صدقها أن يكون الباقي ممّا أدرك من المركّب ، وإذا كان على وجه يعدّ كونه مبايناً له لا يصدق عليه أنّه ممّا أُدرك من ذلك المركّب.
ولكنّ في النفس منه شيئاً ، وهو أنّ الشيء الواحد الذي هو نقطة المقابلة بين « ما لا يدرك » وما « لا يترك » ، غير نقطة المقابلة بين الميسور والمعسور ، فإنّ الشيء الواحد ولو باعتبار مراتبه قابل للانقسام إلى الميسور والمعسور ، وحينئذ صحّ لنا أن نقول : إنّ الميسور من ذلك الشيء لا يسقط بسقوط المعسور منه ، وهذا بخلاف مفاد « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » ، فإنّ نقطة المقابلة فيه هو المركّب ، ولا يلزم أن يكون ذلك المركّب صادقاً على كلّ واحد من الطرفين ، إذ ليس مفادها إلاّ أن ذلك المركّب إذا لم تدركه بتمامه لا تتركه بتمامه ، فيكون وزانه وزان أنّ المركّب إذا لم تقدر على تمام أجزائه لا يكون ذلك موجباً لسقوط باقي الأجزاء منه ، هذا.
ولكن التحقيق أنّ نقطة المقابلة بينهما واحدة وهي المركّب. نعم إنّ التقابل في « ما لا يدرك » إنّما هو بين الكل والبعض ، فإنّ محصّله هو أنّ عدم إدراك الكل بتمامه لا يوجب ترك الكل بتمامه ، بحيث تترك جميع أجزائه حتّى الأجزاء المدركة. وحاصل ذلك أنّ عدم التمكّن من الموجبة الكلّية لا يسوّغ السالبة الكلّية ، بل تكون السالبة الكلّية ممنوعاً عنها بمقتضى قوله : « لا يترك كلّه » ، وإذا كانت السالبة الكلّية ممنوعاً عنها ، كان محصّل ذلك هو الأمر بالموجبة الجزئية ، فكأنّه قال : لا تتركه كلّه بل ائت ببعضه الذي تدركه وتقدر عليه. فيكون محصّله هو المقابلة بين الكل والبعض ، وهو صادق على ما إذا كان الذي يدركه بعضاً من الكل أيّ بعض كان ، بخلاف قاعدة الميسور فإنّ المقابلة فيها بين الميسور