المذكورة ، أو أنّه جارٍ مطلقاً وأنّ باب الترجيح منسدّ في المحذورين وفيما نحن فيه. وعلى أيّ حال ، لو قلنا بالترجيح فالتخيير في المقامين يكون منحصراً بصورة عدم المرجّح ، ولو قلنا بعدم الترجيح كان التخيير جارياً على كلّ حال في كلّ من المقامين ، وإذا انتهت المسألة إلى التخيير ففي مقام الدوران بين المحذورين صرفاً ينحصر التخيير بين فعل الشيء وتركه ، لكن في مقامنا ( كما لو علم المكلّف بأنّه قد توجّه إليه الأمر والنهي ولكنّه تردّد في أنّ متعلّق الأوّل هو شرب التتن والثاني هو شرب النبيذ ، أو أنّ الواقع بالعكس ) هل يكون التخيير بين الجهات الأربع ، فيتخيّر المكلّف بين فعلهما ، وتركهما ، وفعل الأوّل وترك الثاني ، وترك الأوّل وفعل الثاني.
والظاهر أنّه لا سبيل إلى الأوّلين ، فلا يجوز له فعلهما معاً ، كما أنّه لا يجوز له تركهما معاً ، بل يتعيّن عليه شرب الأوّل وترك الثاني ، أو ترك الأوّل وشرب الثاني ، فإنّ العلم بالوجوب المذكور علّة في المنع عن مخالفته القطعية ، ولنقل إنّه علّة في وجوب موافقته القطعية ، لكن ذلك ـ أعني كونه علّة لوجوب الموافقة القطعية ـ إنّما هو إذا لم يمنع منها مانع عقلي ، وعلى ذلك أسّسنا تبعيض الاحتياط في مورد سقوط الموافقة القطعية. وهكذا الحال في ناحية العلم بالتحريم.
وحينئذ نقول : إنّ العلم بكلّ من التكليفين يؤثّر فعلاً في حرمة المخالفة القطعية لكلّ منهما ، ويحكم العقل بالمنع من المخالفة القطعية لكلّ من التكليفين ، ولا يحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية لكلّ منهما ، لأنّها بنظره ممنوعة بواسطة كونها موجبة للمخالفة القطعية للآخر ، وبذلك يتعيّن التخيير في الوجهين الأخيرين دون الوجهين الأوّلين ، وذلك لا يبتني على كون العلم الاجمالي علّة في حرمة المخالفة القطعية ومقتضياً في وجوب الموافقة القطعية ،