تزاحم بين هذين الحكمين العقليين. أمّا وجوب الموافقة القطعية للوجوب فلا يحكم بها العقل في المقام لوجود المانع ، وهو ابتلاؤها بما منع منه العقل وهو المخالفة القطعية للآخر ، وهكذا الحال في الموافقة القطعية لجانب التحريم ، وقد حقّق في محلّه أنّ العلم إنّما يوجب الموافقة إذا لم يكن في البين ما يمنع منها ، فهو نظير ما لو كان في البين مانع من وجوب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي لعدم القدرة على ذلك ، فإنّ ذلك لا يوجب جواز المخالفة القطعية ، كما في من وظيفته تكرار الصلاة إلى الجهات الأربع واتّفق أن لم يكن قادراً عليها جميعاً ، فإنّ ذلك لا يوجب سقوط العلم الاجمالي بالمرّة ، فليس المانع من تجويز فعلهما معاً أو تركهما معاً هو مجرّد كون الموافقة الاحتمالية لأحدهما أولى من الموافقة القطعية المقرونة بالمخالفة القطعية للآخر ، كما ربما يظهر من الشيخ قدسسره (١) ، فإنّه وإن كان موافقاً في النتيجة لما ذكرناه ، إلاّ أنه أشبه شيء بالخطابة ، فالعمدة في المنع من ذلك هو ما ذكرناه من أنّ سقوط الموافقة القطعية لعدم القدرة عليها بسبب مقارنتها للمخالفة القطعية للآخر لا يوجب سقوط حرمة المخالفة القطعية ، فلا يجوز له فعلهما معاً أو تركهما معاً ، بل لا يكون التخيير إلاّفي فعل أحدهما وترك الآخر.
والظاهر أنّ هذه الطريقة جارية حتّى لو قلنا بأنّ العلم الاجمالي علّة تامّة بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية ، إذ لا إشكال في سقوطها حتّى على هذا القول فيما لو وجد المانع العقلي منها ، كما في صورة عدم التمكّن عقلاً من الموافقة القطعية ، وعلى هذا الأساس يبتني تبعيض الاحتياط في موارد تعذّره فتأمّل.
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٤٠٣.