ولا يخفى أنّا وإن تصوّرنا الترجيح بالأهميّة وغيرها إلاّ أنه لا يبعد تمامية هذه الطريقة ، وهي توجب انسداد باب الترجيح بالأهميّة ، لأنّ الترجيح بالأهمية إنّما يكون في مورد ينحصر الأمر فيه بين إطاعة أحد التكليفين قطعاً وعصيان الآخر قطعاً ، كما في سائر موارد التزاحم ، أمّا ما نحن فيه فلم ينحصر الأمر فيه بين الموافقة القطعية لأحد التكليفين والمخالفة القطعية للآخر ، لإمكان التخلّص بفعل أحدهما وترك الآخر ، إلاّ أن يكون التحريم من قبيل الدماء والفروج ، فإنّ الاحتياط فيها يسدّ باب احتمال المخالفة ، فلا يجوز له قتل أحدهما ، بل يتعيّن عليه ترك قتلهما وإن أوجب ذلك الوقوع في مخالفة الواجب ، وحاصله : أنّ الاحتياط في الدماء مقدّم على مخالفة ما هو معلوم الوجوب إجمالاً ، بل حتّى لو كان الاحتياط موجباً لمخالفة الواجب التفصيلي ، فتأمّل.
وربما يقرّب جواز فعلهما معاً أو تركهما معاً ، بأنّ التزاحم بين الوجوب والحرمة تارةً يكون من قبيل حرمة الغصب ووجوب إنقاذ الغريق فيما لو توقّف إنقاذه على سلوك الأرض المغصوبة ، والجامع هو توقّف الواجب على فعل الحرام بأن يكون الحرام مقدّمة للواجب ، وأُخرى يكون من جهة اتّفاق ملازمة فعل الواجب لفعل الحرام ، من دون أن يكون في البين توقّف ومقدّمية ، وذلك مثل حرمة الاستدبار للجدي مثلاً ووجوب استقبال القبلة.
ففي النحو الأوّل لو كان الأهمّ هو الواجب سقط التحريم بالمرّة ، ولو كان الأهمّ هو الحرام سقط الوجوب بالمرّة أيضاً ، وكذا لو كانا متساويين فإنّه أيضاً يكون اللازم هو الترك لعدم المسوّغ للفعل (١)
__________________
(١) ويمكن أن يقال : إنّه لا مانع من الاستطراق ، لأنّ حرمته سقطت بمزاحمة الواجب ،