وأمّا الانقياد والعبودية وحكم العقل بحسنها فذلك أمر آخر ، لا دخل له في قصد التقرّب المعتبر في العبادة الذي هو عبارة عن الاتيان بها بداعي الأمر ، الذي قلنا إنّه معتبر فيها بأمر آخر يكون بالنسبة إلى الأمر المتعلّق بنفس العمل من قبيل متمّم الجعل.
ولو سلّمنا أنّ ذلك المعتبر في العبادة بطريقة متمّم الجعل هو نفس الانقياد والعبودية ، فلا نسلّم حكم العقل بتقدّم الانقياد التفصيلي على الانقياد الاحتمالي. والحاصل : أنّ المكلّف الآتي بما يحتمل كونه مطلوباً منه بمجرّد الاحتمال من دون فحص مع تمكّنه منه ، لا نسلّم أنّ العقل يقبّح عمله هذا ولا يعدّه إطاعة وانقياداً.
ولكن تقدّم الإشكال في ذلك ، وأنّ الطاعة التي يحكم بها العقل ويلزم بها هي غير الطاعة التي يحسّنها ولا يلزم بها ، والأُولى في قبال العصيان ، والثانية بمعنى الانقياد والتعبّد ، والثانية مستحبّة في التوصّليات واجبة في العبادات ، والإشكال إنّما هو في الثانية.
قوله : فإنّ المدّعى كفاية قصد الأمر الواقعي بما له من الوصف إجمالاً وإن لم يعلم به تفصيلاً ... الخ (١).
وذلك لأنّ المفروض هو العلم بالطلب الواقعي المتعلّق بذلك الفعل ، وإنّما كان التردّد فيه بين كونه واجباً أو مستحبّاً ، فإذا قصد المكلّف ذلك الطلب الواقعي غير ناظر إلى جهة وجوبه ولا إلى جهة استحبابه ، بأن يكون الباعث والمحرّك له على الاتيان بالفعل هو نفس ذلك الطلب الواقعي ، وكان قد تحرّك عنه ، كفى في صدق الطاعة وإن لم يكن ناظراً إلى جهة الوجوب أو الاستحباب ، فضلاً عن
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٦٧.