والحاصل : أنّ ما ذكرناه من أنّه يأتي بالجهرية مثلاً بداعي طلبها المتعلّق بها الذي لا يعلمه أنّه وجوبي أو استحبابي ، وهكذا الحال في الاتيان ثانياً بالاخفاتية إنّما يتمّ بناءً على الاندكاك ، فإنّه حينئذ لو كانت الجهرية واجبة لم تكن مستحبّة ، وكذلك الحال في الاخفاتية ، وحينئذ يعلم أنّ كلاً منهما مطلوب بطلب واحد مردّد بين الوجوب والاستحباب. أمّا بناءً على عدم الاندكاك فلا يتمّ ذلك ، لأنّ الجهرية لو كانت واجبة فهي أيضاً مستحبّة باعتبار مطلق القرآن ، على وجه لو علم بأنّ الجهرية واجبة يصحّ له أن يأتي بالجهرية بقصد القرآن ثمّ يأتي بها ثانياً بقصد الوجوب ، فهذا المكلّف الشاكّ المردّد بينهما عندما يأتي بالجهرية مثلاً ، لا يمكنه أن يقول أنا آتي بالجهرية بداعي طلبها الواقعي الذي لا أعرفه أنّه الوجوب أو الاستحباب ، لأنّ المفروض أنّها لو كانت واجبة لكان هناك طلب آخر متعلّق بها أعني الطلب الاستحبابي ، فيكون ذلك نظير ما مرّ من المثال ، أعني من كان يحتمل أنّه مشغول الذمّة بقضاء يوم واحد ، وبناءً على ذلك لا يمكنه الاحتياط إلاّ بأن يأتي بكلّ منهما بداعي احتمال وجوبه.
لا يقال : هذا في الاتيان الأوّل ، وأمّا الثاني فهو مطلوب بطلب واحد مردّد بين الوجوب والاستحباب ، لأنّ الواجب إن انطبق على الأوّل تعيّن كون الثاني مستحبّاً ، وإن لم ينطبق عليه تعيّن كون الثاني واجباً.
لأنّا نقول : إنّ الأوّل إذا لم ينطبق عليه الوجوب لا يتعيّن كون الثاني واجباً ، لأنّ الثاني وهو الاجهار مثلاً لو كان هو الواجب يكون معه استحباب مطلق القراءة بقصد القرآنية ، وهو ينطبق على الجهرية أيضاً ، فتكون الجهرية حينئذ صالحة للوجوب والاستحباب ويجتمع فيها الأمران.