الكبير قد انحلّ إلى ما بأيدينا من الأدلّة المثبتة للأحكام ، فإذا تفحّصنا ولم نجد فيما بأيدينا ما يدلّ على ثبوت الحكم في تلك الواقعة ، استكشفنا من ذلك عدم كون تلك الواقعة من ذلك المعلوم بالاجمال ، فما نحن فيه نظير ما لو علمنا بحرمة مقدار في هذا القطيع ثمّ علمنا بحرمة البيض منها ، وكانت البيض بمقدار ذلك المعلوم بالاجمال ، فإنّه ينحلّ العلم الأوّل إلى الثاني ، وبعد ذلك لو وضعنا يدنا على خصوص شاة من تلك الشياه واحتملنا حرمتها ، فليس علينا إلاّ أن نفحص عنها ، فإن كانت بيضاء لزمنا الاجتناب عنها لثبوت حرمتها ، وإن ظهر أنّها ليست بيضاء لم يلزمنا الاجتناب عنها وأجرينا فيها البراءة ، لظهور أنّها ليست من البيض المعلومة الحرمة.
وإن أردت تطبيق ذلك المثال على ما نحن فيه ، فاجعل الوقائع المحتملة التكليف بمنزلة القطيع ، واجعل المعلوم الاجمالي الأوّل هو وجود أحكام واقعية في الشريعة ، واجعل المعلوم الثاني هو الأحكام التي تضمّنتها الأدلّة التي بأيدينا.
وبذلك يظهر لك أنّ أطراف المعلوم الأوّل هي بعينها أطراف المعلوم الثاني ، فلم يكن أطراف الثاني أقلّ من أطراف الأوّل. نعم كان المعلوم الأوّل غير معلّم بعلامة خاصّة ، بخلاف الثاني فإنّ المعلوم فيه معلّم بعلامة خاصّة ، وهي كونه موجوداً فيما بأيدينا من الأدلّة ، ومن هذه الجهة نقول : إنّ دائرة الأوّل أوسع من الثاني ، بمعنى أنّ الأوّل لا يختصّ بخصوص ما هو موجود فيما بأيدينا ، بخلاف الثاني ، وبهذه المناسبة قلنا إنّ دائرة الأوّل أوسع من دائرة الثاني ، وأمّا في الحقيقة فإنّ الأطراف في الأوّل هي عين الأطراف في الثاني ، وهي الوقائع المحتمل فيها التكليف.
ثمّ لا يخفى أنّ الدليل العقلي على لزوم الفحص وعدم جواز إجراء البراءة