قبله إن كان هو العلم الاجمالي ، لم يكن إشكال في سقوط كلّ من البراءة العقلية والشرعية ، لما حقّق في محلّه من سقوط كلّ منهما في أطراف العلم الاجمالي. وإن كان الدليل هو الأوّل ـ أعني حكم العقل بلزوم الفحص ، من باب الفحص عن المعجزة أو من باب أنّ العقل لا يرى العامل بالبراءة قبل الفحص معذوراً ـ فلا ريب أيضاً في سقوط البراءة العقلية. وأمّا الشرعية ففي سقوطها تأمّل ، إذ ليس المدار فيها على المعذورية العقلية بل المدار فيها على عدم العلم ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إطلاق قوله صلىاللهعليهوآله : « ما لا يعلمون » (١) منصرف عن الجهل الناشئ عن عدم الفحص مع فرض التمكّن منه ، وهو غير بعيد.
قوله وأمّا في الوجه الثاني ، فلأنّه وإن علم إجمالاً بوجود أحكام في الشريعة أعمّ ممّا بأيدينا من الكتب ، إلاّ أنه يعلم إجمالاً أيضاً بأنّ فيما بأيدينا من الكتب أدلّة مثبتة للأحكام مصادفة للواقع بمقدار يحتمل انطباق ما في الشريعة عليها ، فينحلّ العلم الاجمالي العام بالعلم الاجمالي الخاصّ (٢).
لا يخفى أنّ كون المعلوم أوّلاً بالاجمال معلّماً بعلامة خاصة ينافي الانحلال إلى ما بأيدينا من الكتب ، لأنّ العلم الاجمالي بوجود تكاليف فيما بأيدينا من الكتب غير معلّم بعلامة خاصّة ، وتوضيح ذلك يتوقّف على بيان كون المعلوم بالاجمال فيما نحن فيه معلّماً بعلامة خاصّة ، وليس ذلك هو ما يتراءى من قوله : وما نحن فيه يكون من هذا القبيل ، لأنّ المعلوم بالاجمال في المقام هي
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٢٨٠.