ويمكن الجواب عنه أوّلاً : بأنّ العلم الاجمالي إنّما يؤثّر إذا كان المكلّف شاكّاً حين الإقدام ، محتملاً لوجود التكليف في تلك الواقعة التي ابتلي فيها ، لأنّ شكّه حينئذ يكون مقروناً بالعلم الاجمالي الموجب بحكم العقل لزوم الاحتياط ، أمّا إذا لم يكن شاكّاً ، بل كان غافلاً أو قاطعاً بالخلاف ، فلا يكون ذلك العلم الاجمالي مؤثّراً في حقّه ، بل ربما كان غافلاً عن ذلك العلم الاجمالي حين الاقدام المذكور.
وثانياً وهو العمدة : أنّ ذلك العلم الاجمالي قد عرفت انحلاله إلى ما لدينا من الأدلّة المشتملة على إثبات التكاليف في موردها بمقدار ذلك المعلوم بالاجمال أوّلاً ، وبناءً عليه لم يبق في حقّه ما يوجب تنجّز الواقع عليه ، أمّا بناءً على أنّ مدرك وجوب الفحص هو غير العلم الاجمالي ، فلأنّ الفحص إنّما ينجّز الأحكام التي يكون لها ما يثبتها من تلك الأدلّة ، دون ما لم يكن له دليل مثبت له من تلك الأدلّة. وكذلك بناءً على أنّ مدرك وجوب الفحص هو العلم الاجمالي المذكور ، فإنّه بعد انحلال العلم الاجمالي الأوّل إلى العلم الاجمالي الثاني المنحصر بالأحكام التي قامت عليها تلك الأدلّة ، لو أقدم المكلّف على شرب التتن مثلاً ثمّ تبيّن أنّه ليس في تلك الأدلّة ما يثبته ، ينكشف له أن ليس في البين ما يوجب تنجّز حرمة الشرب المذكور. وبعبارة أوضح : أنّه بعد فرض الانحلال المذكور ، لا يكون ذلك العلم منجّزاً إلاّلخصوص ما كان من الأحكام مدلولاً لأحد تلك الأدلّة ، أمّا ما لم يكن مدلولاً لها فلا يكون في البين ما ينجّزه.
وبالجملة : أنّه بعد انحلال العلم الاجمالي الأوّل إلى العلم الاجمالي الثاني ، يكون المدار على المعلوم الثاني ، وهو خصوص ما دلّت تلك الأدلّة على ثبوت التكليف فيه ، فيكون ذلك المقدار هو المنجّز دون غيره ، ويكون حاله حال من