علم بحرمة البيض من هذا القطيع لكنّه يحتمل حرمة جملة من السود أيضاً ، إلاّ أنّه احتمال بدوي غير منجّز ، وقد اشتبه البيض بالسود لأجل الظلمة مثلاً ، وقد أقدم على واحدة من ذلك القطيع من دون فحص عن كونها من البيض أو السود ، ثمّ تبيّن له بعد الاقدام أنّها ليست من البيض ، فإنّه لا يكون مستحقّاً للعقاب ، وإن كان حين الاقدام يحتمل أنّها من البيض ، ولم يكن إقدامه المذكور مبرّراً ، لأنّه بلا مستند شرعي ولا عقلي ، لكنّه إنّما يستحقّ العقاب إذا صادف كونها من البيض ، أمّا إذا لم تكن هي من البيض لكن صادف كونها محرّمة في الواقع ، فلا موجب لاستحقاقه العقاب ، لأنّ حرمة ما عدا البيض لم تكن منجّزة عليه حين الاقدام المذكور.
اللهمّ إلاّ أن يقال : يكفي في صحّة عقابه أنّ إقدامه لم يكن عن مستند شرعي ولا عقلي ، لعدم إمكان إجرائه في ذلك الحال البراءة الشرعية ولا العقلية ، وحينئذ فيصحّ للشارع عقابه على مخالفة تلك الحرمة التي صادف الواقع وجودها ، وإن لم تكن منجّزة في نفسها بذلك العلم الاجمالي ، وذلك للاكتفاء في صحّة ذلك العقاب عليها بأنّه لم يكن إقدامه على خصوص تلك الشاة بمسوّغ عقلي أو شرعي ، بل كان ممنوعاً عنه بحسب حكم العقل الناشئ عن علمه الاجمالي بوجود البيض في ذلك القطيع التي يعلم بحرمتها (١)
__________________
(١) فهو نظير من قطع بأنّ هذه الشاة موطوءة إنسان فأقدم على أكلها ، ثمّ تبيّن أنّها ليست بموطوءة لكن كانت مغصوبة ، أو تبيّن له أنّها لم تكن تلك الشاة الموطوءة بل كانت أرنباً مثلاً ، بل ما نحن فيه أولى ، لأنّ المثال من قبيل التبيّن من سنخ آخر مغاير لسنخ ما كان قد قطع به من الحرمة ، بخلاف ما نحن فيه فإنّه من