ومن ذلك كلّه يعلم الحال فيما توهّمنا إيراده أوّلاً ، فإنّ المكلّف حين الارتكاب وإن كان قاطعاً بعدم التكليف ، إلاّ أنه لمّا لم يكن قطعه المذكور معذّراً له لكونه مقصّراً فيه ، لم يكن مصحّحاً للعذر عمّا صادفه من الحرام الواقعي.
والحاصل : أنّه قاطع بأنّ ما ابتلي به لم يكن عليه دليل مثبت للتكليف فيما بأيدينا ، إلاّ أنه لمّا لم يكن ذلك القطع معذوراً فيه ، كان موجباً لاستحقاق العقاب على ما صادفه من الحرام ، وإن لم يكن ذلك الحرام الذي قد صادفه ممّا قامت به إحدى الأدلّة الموجودة في الكتب التي بأيدينا فتأمّل ، هذا.
ولكن لا يبعد أن يقال : إنّ هذا الذي ذكرناه من كون الارتكاب بلا مبرّر ، لا يكون له أثر إلاّعقاب التجرّي دون العقاب على الواقع ، فمن أكل إحدى الشاتين مع علمه الاجمالي بكون إحداهما موطوءة الإنسان ثمّ بعد الأكل تبيّن له أنّ مأكولته لم تكن شاة موطوءة بل كانت أرنب ، وأنّ الموطوءة هي التي لم يأكلها فهو متجرّ بالنسبة إليها ، أمّا التي أكلها وهو الأرنب فلا عصيان فيها ولا تجرّي ، وهكذا الحال فيما نحن فيه فإنّه متجرّ بالنسبة إلى الشبهات التي عليها حجّة فيما بأيدينا ، أمّا نفس هذه الشبهة فلا عقاب ولا تجرّي.
قوله : ولا يخفى عليك ما في هذا الوجه من الضعف ، فإنّ الخصوصية الزائدة من المصلحة القائمة بالفعل المأتي به في حال الجهل ، إن كان لها دخل في حصول الغرض من الواجب فلا يعقل سقوطه بالفاقد ... الخ (١).
الأولى أن يقال : إنّه لو كان الرجل قد أخفت في صلاة العشاء فتلك المصلحة الزائدة على مصلحة أصل الصلاة ، أعني مصلحة الاجهار للرجال في صلاة العشاء ، لابدّ أن تكون لازمة الاستيفاء ، وإلاّ لم يصحّ العقاب على تفويتها ،
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٩١ ـ ٢٩٢.