بواسطة أنّها توجب ولو في حال الجهل عدم التمكّن من الصلاة الجهرية ، فكانا في ذلك الحال من الضدّين اللذين مع الاتيان بأحدهما لا يمكن الاتيان بالآخر ، ونحن وإن لم نقل بأنّ الأمر بأحد الضدّين الذي هو الأهمّ ـ أعني الصلاة الجهرية ـ موجب للنهي عن الضدّ الآخر الذي هو الصلاة الاخفاتية ، إلاّ أنه يوجب عدم الأمر بذلك الضدّ الآخر وإن كان له ملاك في حدّ نفسه ، وهذا الملاك كافٍ في الحكم بصحّة هذا الضدّ المأتي به ، وإن لم نقل بكون هذا الضدّ المأتي به مأموراً به بالأمر الترتّبي ، وحينئذ يتمّ لصاحب الكفاية قدسسره ما توخّاه من الجمع بين صحّة الصلاة الاخفاتية كما هو مقتضى قوله عليهالسلام : « تمّت صلاته » وعدم الأمر بها ، والعقاب على تفويت الصلاة الجهرية كما هو مقتضى قوله عليهالسلام : « ولا يعيد ».
ومن ذلك يظهر أنّه بناءً على صحّة الترتّب يمكن الالتزام به في هذه المسألة كما أفاده كاشف الغطاء قدسسره (١).
لكن يرد على هذا التوجيه : أنّ هذا التضادّ منحصر في حال الجهل ، ويكون هذا التضادّ من التضادّ الدائمي ، وذلك مخرج له عن باب التزاحم والترتّب ، ويدخله في باب التعارض ، ومع تقدّم الأمر بالصلاة الجهرية كما هو المفروض ، تكون الصلاة الاخفاتية في ذلك الحال خارجة عن الأمر ملاكاً وخطاباً ، كما هو الشأن في باب التعارض ، وبذلك تخرج عن التزاحم والترتّب ، فلاحظ وتأمّل.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا الترتّب دلّ عليه الدليل الشرعي ، وليس هو من قبيل الترتّب المعروف كما ستأتي الاشارة إلى توضيحه إن شاء الله تعالى (٢).
وبذلك يجاب عن الإشكال على التصحيح بالملاك ، بأن يقال : إنّ مقتضى
__________________
(١) كشف الغطاء ١ : ١٧١ / البحث الثامن عشر.
(٢) راجع الحاشية الآتية في الصفحة : ٥٧٣ وما بعدها.