التعارض وتقديم الأمر بالجهرية وإن كان هو خروج الاخفاتية عن حيّز الأمر خطاباً وملاكاً ، إلاّ أنه لمّا دلّ الدليل على الصحّة في المقام ، وعلى استحقاق العقاب ، نزّلنا دليل الصحّة على واجدية الملاك ، ودليل العقاب على كون الواجب هو الجهرية.
ثمّ لا يخفى أنّه بعد شرح الترتّب بما ذكرناه يظهر لك التأمّل فيما أفاده شيخنا قدسسره (١) من الاعتراض عليه أوّلاً : من أنّه لابدّ فيه من كون المهم واجداً للملاك والمفروض عدمه في المقام. وثانياً : بأنّه لا يمكن توجّه الخطاب بالمهمّ في المقام لتوقّفه على الخطاب بمثل أيّها الجاهل بوجوب الجهرية ، وهو ممتنع في حقّ الجاهل ، لأنّ هذا الخطاب يقلبه إلى العلم بذلك.
ووجه التأمّل في الأوّل هو ما عرفت من واجدية المهم هنا للملاك. وأمّا الثاني فلعدم الحاجة إلى الخطاب بعنوان الجاهل ، لكفاية وجود الخطاب بالمهمّ الذي هو الاخفات ، غايته أنّ المكلّف يعتقد إطلاقه ، وهو في الواقع مقيّد بترك الجهرية الناشئ عن الجهل بوجوبها ، وهذا المقدار لا يضرّ بصحّة امتثاله للأمر المذكور. هذا لو كان معتقداً وجوب الاخفات.
ومنه يظهر الحال فيما لو لم يكن معتقداً لوجوب أحدهما ، بل كان لا يعلم إلاّ أصل وجوب الصلاة من دون تقيّد بكونها جهرية أو إخفاتية ، وقد أخفت في موضع الجهر ، فإنّه يتأتّى فيه ما ذكرناه من الملاك والترتّب وعدم توقّف الخطاب الترتّبي على علمه بوجوب الجهرية ، فلاحظ وتأمّل.
نعم ، يرد على هذا الترتّب ما أفاده قدسسره في تحرير السيّد سلّمه الله ص ٣٣٧ من قوله في آخر المسألة : على أنّا ذكرنا في محلّه أنّ الخطاب الترتّبي وإن كان
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٩٣.