الحقيقة أنّ الترديد الثاني صوري لا واقعية له ، والترديد الحقيقي إنّما هو بين الاناءين ، فلو وقع أوّلاً الترديد الثاني وحصل بعده الترديد الأوّل ، ينكشف أنّ ما كان قد حصل له من الترديد الأوّل بين الثوب وإناء عمرو صوري لا واقعية له ، فيكون ذلك أشبه شيء بانكشاف الخطأ على نحو الشكّ الساري ، فينعدم العلم الأوّل ويرتفع أثره من التنجّز بين الثوب وإناء عمرو ، فلا يكون العلم الأوّل باقياً مع حصول العلم الثاني ، كي يقال إنّه يجتمع العلّتان على تنجّز نجاسة إناء عمرو ، ويكون استناد تنجّزه إلى الأوّل ترجيحاً بلا مرجّح.
ولا يخفى أنّ كلمات شيخنا قدسسره في مقام ردّ ما أفاده صاحب الكفاية وإن كان ظاهر الكثير منها منصبّاً على أنّ المدار في التنجّز على سبق المعلوم وتأخّره ، وأنّ العلم طريق محض كما أشرنا إليه ، إلاّ أن الكثير منها صريح في أنّ العلم الثاني في الصورة الثانية يوجب انعدام الأوّل بنحو انكشاف الخلاف أو الشكّ الساري بالنحو الذي عرفته ، فلا يتوجّه ما أشرنا إليه وصرّح به في المقالة من كون العلم علّة في التنجّز ، فراجع وتأمّل.
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الأُستاذ العراقي قدسسره فيما حكيناه عن درسه ، جعل ملاك الفرق بين الصور الثلاث هو التقدّم والتأخّر الرتبي بين العلمين ، بل إنّ كلامه في المقالة أيضاً ناظر إلى ذلك. نعم إنّ صاحب الكفاية جعل الملاك هو التقدّم الزماني بين العلمين.
وأمّا التقدّم الرتبي بين المعلومين كما يظهر من شيخنا قدسسره الاعتماد عليه في عدم تأثير أحد العلمين ، فقد أورد عليه في المستمسك (١) بما حاصله : أنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وإن كانت متأخّرة رتبة عن نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ ، إلاّ أن
__________________
(١) مستمسك العروة الوثقى ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.