بمعنى أنّ اليقين لكونه كاشفاً عن الواقع يكون موجباً للجري العملي على ذلك الواقع الذي انكشف به ، فيكون اقتضاء اليقين لذلك الجري العملي لكونه من قبيل المعدّ لحدوث الداعي في حقّ المكلّف.
والحاصل : أنّ اقتضاء اليقين للجري العملي ليس إلاّمن جهة كونه من مقدّمات الداعي ، ومن الواضح أنّ هذا النحو من الاقتضاء لا دخل له بكون المتيقّن ممّا له اقتضاء البقاء.
وبالجملة : أنّ كون اليقين أو عنوان المتيقّن مقتضياً للجري العملي هو الميزان في صدق النقض ، وهذا المعنى موجود في كلّ يقين وكلّ متيقّن ، سواء كان المتيقّن ممّا له استعداد البقاء أو لم يكن له ذلك الاستعداد.
ولكن العمدة هو تحقّق توارد اليقين والشكّ على شيء واحد ليكون الشكّ ناقضاً وجداناً لليقين ، وليصحّ استعمال النقض في ذلك ، والمفروض في باب الاستصحاب عدم وحدة المتعلّق ، فلابدّ حينئذ من عناية مصحّحة لاستعمال النقض القاضي بالتوارد ، وتلك العناية هل هي تجريد المتعلّق عن الزمان أو تجريده عن جهة الحدوث والبقاء ، أو هي توهّم اليقين التقديري حسبما عرفته مفصّلاً فيما تقدّم (١) وستأتي الاشارة إليه إن شاء الله في آخر هذه التعليقة.
نعم ، هنا مطلب آخر وهو الجهة الثانية التي أشرنا إليها ، وهي التي أفادها بقوله : وبتقريب آخر الخ (٢) ، وذلك المطلب هو دعوى أنّ المتيقّن إذا كان له استعداد البقاء يكون قد تعلّق به اليقين في أوّل حدوثه حتّى في زمان الشكّ ، بحيث يكون زمان الشكّ قد تعلّق اليقين به في زمان حدوثه ، ففي زمان الشكّ
__________________
(١) في الصفحة : ٩٤ وما بعدها.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٣٧٦.