مدخلية تلك القيود ، ولا في كيفية دخله فيها من حيث العلّة المحدثة والعلّة المبقية ، وحيث لا يتصوّر الشكّ فيها في تلك الجهات لم يعقل أن تكون تلك الأحكام قابلة للشكّ في البقاء ، فلا يعقل أن يجري الاستصحاب فيها.
لا يقال : إنّ العقل وإن حكم بقبح الكذب الضارّ وأدرك أنّ للضرر مدخلية في حكمه بالقبح المذكور ، إلاّ أنه يحتمل أنّ الكذب عند انتفاء الضرر يكون قبيحاً أيضاً بملاك آخر غير ملاك الضرر ، فينشأ عن ذلك احتمال كونه حراماً أيضاً ، إذ معنى إدراك العقل واطّلاعه على ملاك حكمه أنّه حيث يحكم بالقبح لابدّ أن يكون مطّلعاً على ملاك حكمه ، أمّا بعد ارتفاعه فلا يلزم أن يكون العقل قاطعاً بعدم القبح ، وأقصى ما فيه هو أن لا يكون حاكماً بالقبح المجتمع مع احتمال القبح ، لا أن يكون حاكماً بعدم القبح غير المجتمع مع احتمال القبح ، وحينئذ يتولّد احتمال حرمة الكذب مع عدم الضرر.
لأنّا نقول أوّلاً : قد عرفت في المقدّمة الأُولى من مقدّمات حاصل كلام الشيخ قدسسره أنّ العقل لا يعقل أن يكون شاكّاً في حكمه ، فبعد ارتفاع الضرر لا يعقل أن يكون العقل شاكّاً في قبح الكذب.
وثانياً : أنّا لو سلّمنا أنّه يكون حينئذ شاكّاً لأجل احتماله ملاكاً آخر في القبح غير ذلك الملاك المرتفع وهو الضرر ، فنقول : إنّ ذلك الملاك المحتمل الموجب لقبح الكذب مع فرض عدم الضرر إن كان حادثاً عند ارتفاع الضرر ، كان الحكم الشرعي بحرمته حكماً آخر غير ذلك الحكم الشرعي الناشئ عن ملاك الضرر ، فلا يمكن الاستصحاب ، لأنّ المفروض أنّ ذلك الحكم بالحرمة على تقدير وجوده واقعاً هو حكم آخر غير الحكم السابق ، ولا تنفع المسامحة العرفية ، لأنّ تلك إنّما تؤثّر في ناحية الموضوع لا في ناحية اختلاف الحكم.