وإن كان ذلك الملاك الآخر موجوداً في حال وجود الضرر ، كان ذلك منافياً لما فرضناه من اطّلاعه على ملاك حكمه ، وأنّ ملاكه هو الضرر ، لأنّه لو كان هناك ملاك آخر يكون مقتضياً للقبح ، لم يكن العقل قد أدرك ملاك حكمه ، لأنّ ملاكه حينئذ هو الضرر مع ذلك الملاك الآخر.
اللهمّ إلاّ أن يقال : يكفي في صدق كونه مدركاً للملاك هو إدراك أنّ الضرر له المدخلية في القبح ، وإن كان من المحتمل أن يكون هناك ملاك آخر مع الضرر يكون موجباً للحكم بالقبح ، فعند ارتفاع الضرر يحتمل بقاء القبح ، فيكون موجباً لاحتمال بقاء الحكم الشرعي بالحرمة ، غاية الأمر أنّه في حال وجود الضرر يكون القبح بملاكين ، كما تكون الحرمة بملاكين ، وبعد ارتفاع الضرر يكون كلّ من القبح والحرمة بملاك واحد ، فيكون ذلك من قبيل الاختلاف في الشدّة والضعف ، وبه يتمّ الاستصحاب ، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ هذا كلّه مبني على أنّ ما أُفيد ثانياً راجع إلى دعوى أنّه مع فرض اطّلاع العقل على ملاك حكمه ، نحتمل بقاء الحرمة بملاك آخر غير الملاك الأوّل المحتمل ، كما هو الظاهر من هذا التقرير ومن التقرير المطبوع في صيدا (١) وممّا حرّرته عنه قدسسره في التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب (٢) وكما يظهر ذلك من الكفاية أيضاً (٣).
ولكن الذي يظهر ممّا حرّرته عنه قدسسره في هذا المقام ، هو أنّ المراد ممّا أُفيد ثانياً هو أنّ العقل وإن أحرز أنّ ملاك حكمه هو الضرر ، وأنّ للضرر دخلاً في
__________________
(١) أجود التقريرات ٤ : ٢١ ـ ٢٢.
(٢) مخطوط لم يطبع بعدُ.
(٣) كفاية الأُصول : ٣٨٦.