المعنى لا يتصوّر الشكّ في بقائه من جهة ضرورة العلم بما هو منشؤه ، فإن كان موجوداً كان ذلك الميل أو تلك النفرة باقياً ، وإن ارتفع ارتفع ذلك الميل أو تلك النفرة ، ويكون حال الأحكام العقلية حينئذ حال التصويب الصرف ، فلا معنى لتخطئة بعض العقلاء بعضاً في تقبيح شيء أو تحسينه.
أمّا لو قلنا بأنّ قبح الفعل من الأُمور الواقعية كسائر الصفات اللاحقة للذوات ، غايته أنّ العقل يدرك ذلك القبح ويعبّر عن ذلك الإدراك العقلي بالحكم العقلي ، يكون حال هذه الأحكام حال التخطئة يصحّ لبعض العقلاء أن يخطّئ البعض فيه ، فذلك وإن كان في غاية البعد ، إلاّ أنه بناءً عليه يمكن أن يقال : بأنّ العقل ربما أدرك قبح الفعل الموصوف بالصفة الكذائية ولكنّه لم يدرك أنّ لتلك الصفة مدخلية في قبحه ، فهو يحتمل أنّ لها المدخلية ، ويكون حكمه بالقبح في حال تحقّق الصفة من قبيل القدر المتيقّن ، فحينئذ يمكن أن يطرأ الشكّ في البقاء على ذلك الحكم العقلي بعد ارتفاع تلك الصفة.
لكن مع ذلك أنّ الأمر يحتاج إلى التأمّل ، فإنّ المستصحب ليس هو نفس القبح الواقعي ، بل هو الحكم العقلي أعني إدراك العقل قبح الفعل ، وحينئذ يكون الإشكال بعدم قابلية الأحكام العقلية للشك باقياً بحاله.
وإن شئت قلت : إنّ القبح لون وصفة لاحقة لبعض الأفعال ، غايته أنّها تدرك بالعقل لا بالبصر ، وكما أنّه لا يمكن أن يتردّد البصر فيما هو معروض اللون الذي يحسّ به ، فكذلك العقل لا يمكن أن يتردّد في معروض تلك الصفة التي أدركها لاحقة للفعل الذي أدرك قبحه.
قوله : وتوضيح ذلك ... الخ (١).
إنّ ما أُفيد من محدودية العمر لعلّه لا وجه [ له ] لما حقّقناه في محلّه من أنّ
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٣٢٦.