رامه صاحب الدرر قدسسره من كون المسألة حينئذ من قبيل اليقين بصرف الوجود والشكّ في بقائه.
والذي أخاله أنّ هذا المعنى ، أعني كون موضوع الحكم هو صرف وجود طبيعة الإنسان مثلاً ، وأنّه يتحقّق بأوّل وجود ، وأنّه يبقى ويستمرّ ما دامت الأفراد متعاقبة ، وأنّه عند الشكّ في تحقّق الفرد الثاني مقارناً لوجود الفرد الأوّل الذي علم بارتفاعه ، تكون المسألة من باب الشكّ في بقاء صرف الوجود بعد اليقين بحدوثه وتحقّقه ، لا يتفاوت الحال فيها بين القول بوجود الطبيعة والكلّي الطبيعي في ضمن أفراده ، وبين القول بأنّه ليس بموجود ، وأنّ هذا الوجود وجود للحصّة منه ، أو أنّ هذا الوجود هو عبارة عن نفس الفرد ، فإنّا لو قلنا بذلك لم يخرج هذا الفرد عن كونه بالنظر العرفي من باب صرف وجود الإنسان ، أمّا أنّه كيف صار هذا صرف وجود الإنسان ، وهل الإنسان حالّ فيه أو أنّه حصّة من الإنسان أو أنّه فرد من الإنسان ، كلّ هذه الجهات أجنبية عمّا هو مفاد الدليل عرفاً. وهكذا الحال في أصالة الوجود أو أصالة الماهية ، فإنّ جميع هذه الجهات راجعة إلى أُمور أُخر فلسفية.
وبأيّ قلنا لا يمكننا إخراج تلك الأدلّة عن مقتضياتها العرفية كيف ما كانت حقيقتها الواقعية ، فإنّ هذه المقتضيات العرفية تتمشّى مع هذه الأقوال كلّها ، غايته أنّه بنحو من التسامح العرفي الذي هو الملاك في استفادة الأحكام من تلك الأدلّة.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أفاده المحشي بقوله : ولا بشرطية وجود شيء الخ (١) ممّا ظاهره إنكار وجود الطبيعي ، وأنّه ليس في البين إلاّ الانطباق على الوجود الخارجي. وهكذا ما أفاده في الإشكال الثاني وجوابه الذي انتهى بقوله :
__________________
(١) نهاية الدراية ٥ ـ ٦ : ١٥٢.