وشوهاء تغدو بي إلى صارخ الوغى |
بمستلئم مثل الفنيق المرجل |
غير أنّه ذكر المجرّد منه ولم يذكر المجرّد ، ولو قلنا بأنّ المراد من اليقين هو اليقين بالبقاء ، مع أنّه لم يكن في الواقع إلاّ اليقين بالحدوث ، كان من قبيل ذكر المجرّد مع عدم ذكر المجرّد منه.
وعلى كلّ حال ، أنّ هذه الجهات ـ أعني كونه من قبيل الكناية ، أو كونه من قبيل التجريد ، أو كونه من قبيل الاستعارة ، أو كونه من قبيل المجاز المفرد ـ ليست براجعة إلى التعبّد بالبقاء في مقام الشكّ فيه الذي هو حكم شرعي ، بل هي راجعة إلى مرحلة لفظية مصحّحة لاستعمال اليقين بالحدوث في مقام اليقين بالبقاء ، وأنّ المقصود الأصلي هو النهي عن نقض اليقين بالبقاء بالشكّ فيه ، كما هو مقتضى تطبيق هذه الكبرى على ما هو مورد الاستصحاب.
ومن هذا البيان يتّضح لك دفع ما ربما يتوهّم في المقام من أنّ تنزيل اليقين بالحدوث منزلة اليقين بالبقاء إنّما جاء من النهي المذكور بقوله : لا تنقض ، فلا يعقل أن يكون هو المصحّح للنقض المذكور. وبيان الدفع هو ما عرفت من أنّه ليس المراد من تنزيل اليقين بالحدوث منزلة اليقين بالبقاء هو التنزيل التعبّدي الناشئ من الحكم التعبّدي ، أعني النهي عن النقض ، بل المراد هو التنزيل العرفي الاستعمالي الناشئ عن دعوى الملازمة ولو للغلبة بين حدوث الشيء وبقائه ، فالتنزيل المذكور إنّما هو في مرحلة النظر العرفي المصحّح لاستعمال اليقين بالحدوث في اليقين بالبقاء ، فلا يكون هذا التنزيل إلاّراجعاً إلى جهة استعمالية في مقام الاثبات ، دون قيام التعبّد الشرعي في مقام الثبوت.
لا يقال : إنّكم إذا جعلتم اليقين بأصل الوجود كناية عن اليقين بالبقاء عاد الإشكال ، وهو تعلّق الشكّ واليقين بشيء واحد وهو البقاء.