وقد حرّرنا في أوائل الاستصحاب (١) عند الكلام على الرواية الرابعة وهي قوله عليهالسلام : « من كان على يقين فشكّ » الخ (٢) تحقيق الوجه في عدم شمول الروايات التي رواها زرارة لقاعدة اليقين والاستصحاب ، ولكن ما حرّرناه سابقاً لا يخلو عن تكلّف بل تعسّف وتطويل بلا طائل.
فالأولى في بيان كيفية عدم شمول الروايات الشريفة لقاعدة اليقين هو أن يقال : إنّ ظاهر القضية التي اشتملت عليها الروايات الشريفة هو اجتماع اليقين والشكّ وتعلّقهما بشيء واحد ، وهذا لا ينطبق على مورد القاعدة لعدم اجتماعهما فيها ، لكون الشكّ فيها هادماً لليقين ، أمّا مورد الاستصحاب فإنّه لو خلّي ونفسه باعتبار تعدّد متعلّق الشكّ واليقين فيه ولو باعتبار الحدوث والبقاء لم يدخل في القضية المذكورة ، لكن بعد تجريد المتعلّق فيه عن موجبات التعدّد والنظر فيه إلى نفس القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة يجتمع فيه اليقين والشكّ في زمان واحد ، لكن من دون كون أحدهما هادماً للآخر وجداناً ، غير أنّ المكلّف لابدّ له في ذلك الحال من الجري العملي على طبق أحدهما وأيّاً منهما أخذ به فقد نقض الآخر ، فالشارع أمره بالجري العملي على طبق اليقين ونقض الشكّ به فقال له : لا تنقض اليقين بالشكّ ، ولكن تنقض الشكّ باليقين ، هذا كلّه.
مضافاً إلى تطبيق الإمام عليهالسلام هذه الجملة على مورد الاستصحاب ، القاضي بأنّه لابدّ في موردها من اجتماع اليقين والشكّ على متعلّق واحد ، وهذا لا يكون في مورد القاعدة.
ومن ذلك يظهر لك أنّ مورد الاستصحاب بعد تجريده عن الزمان أو
__________________
(١) تقدّم في المجلّد التاسع من هذا الكتاب الصفحة : ٩١ وما بعدها.
(٢) وسائل الشيعة ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١ ح ٦.