قوله : وأمّا الإشكال الثالث ... الخ (١).
لا يخفى أنّه لو بنينا على ما أُفيد من أنّ الشكّ في وجود الكل لا يتصوّر في أثناء العمل ، وأنّه إنّما يتصوّر بعد الفراغ من العمل ، لم يكن حينئذ قوله عليهالسلام « إنّما الشكّ في شيء لم تجزه » نقيضاً لقاعدة الفراغ ، بل إنّما تكون نقيضاً لقاعدة التجاوز ، مع أنّ هذه الجملة إنّما وردت في ذيل قاعدة الفراغ بناءً على ما ذكروه من أنّ الضمير في قوله عليهالسلام : « إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره » (٢) راجع إلى الوضوء لا إلى الشيء.
وحينئذ نقول : إن بنينا على ما أفادوه من رجوع الضمير إلى الوضوء لابدّ أن نقول إنّ مجرى قاعدة الفراغ إنّما هو الشكّ في الجزء مثلاً بعد الفراغ من العمل ، فيكون مفهومها هو أنّه لو شكّ في الجزء وهو في أثناء العمل لم تجر قاعدة الفراغ وكان ذلك الشكّ معتنى به ، إمّا لأنّ قاعدة الشكّ في المحلّ قاعدة مستقلّة ، أو لأنّها عبارة عن الأخذ بالاستصحاب ، فلابدّ أن نقول إنّ هذا المفهوم إنّما هو مختصّ في مورده وهو الوضوء ، لأنّ قاعدة التجاوز لا تجري فيه ، أمّا في غير الوضوء فإنّ قاعدة التجاوز حاكمة على مقتضى هذا المفهوم ، أو لا أقل من أنّها مقدّمة عليه لو فرضنا المعارضة بينهما ، لأنّ أخبارها أقوى من هذا المفهوم سنداً ودلالة وشهرة ، أو نقول إنّ هذا المفهوم لمّا كان نقيضاً لقاعدة الفراغ يكون محصّله أنّك تعتني بهذا الشكّ إذا كنت في أثناء العمل المركّب ولم تفرغ منه ، وهذا شامل لما إذا كان قد تجاوز محلّ ذلك الجزء المشكوك إلى جزء آخر ، وما إذا كان الشكّ فيه وهو في محلّه ، وقاعدة التجاوز توجب اختصاص ذلك المفهوم بالقسم الثاني وهو
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٢٦.
(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.