ولا يخفى أنّه قدسسره بعد أن منع من كون مفهوم التحديد مخصّصاً لعموم الغير ، إمّا لما ذكره هنا من كونه من قبيل إخراج مورد العام عنه ، وإمّا لما نقلناه عنه (١) في آية النبأ من أنّ العام المتّصل يسقط الظهور في المفهوم ، فلم يبق حينئذ ما يدلّ على إخراج المقدّمات عن عموم الغير إلاّهذا الذي أفاده في وجه خروج أجزاء الأجزاء من توقّف الدخول على العناية والتنزيل ، وقد عرفت أنّه لا يمنع من الأخذ بعموم الغير للمقدّمات ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّه لا يمكن الاستناد إليه في خروج أجزاء الأجزاء فضلاً عن المقدّمات.
لا يقال : بناءً على ما قدّمتموه من كون مجرى القاعدة مختصّاً بالمركّبات ينبغي أن لا تجري في الدخول في المقدّمات لعدم كونها جزءاً من ذلك المركّب.
لأنّا نقول : إنّا لم نشترط في الذي دخل فيه أن يكون جزءاً من المركّب وإنّما اشترطنا في مجرى القاعدة أن يكون له وحدة اعتبارية تكون موجبة لدخوله تحت الارادة السابقة ، وكون الغير من المقدّمات ممّا تتحقّق فيه تلك الوحدة الاعتبارية ، فالظاهر هو جريان القاعدة في أجزاء الأجزاء وفي مقدّمات الأجزاء.
نعم ، لا يبعد أن يشترط في ذلك كون جزء الجزء والمقدّمة ممّا يعدّ عرفاً شيئاً في قبال الشيء الذي شكّ فيه ، فيخرج عنه الشكّ في الحرف الأوّل عند الشروع في الحرف الثاني ، بل يخرج عنه الشكّ في الكلمة السابقة عند الشروع في اللاحقة ، وهناك أجزاء أجزاء هي مورد التشكيك في صدق هذا الضابط العرفي عليها ، مثل الشكّ في أوّل الجملة الارتباطية عند الشروع في آخرها أو وسطها. وهكذا الحال في المقدّمات فإنّه لا يكفي فيه مجرّد الحركة الجزئية التي هي ميل إلى النهوض ، بل لابدّ من تلبّسه بالنهوض على وجه يصدق عليه عرفاً أنّه
__________________
(١) في الصفحة : ٣٣٩.