قوله : المبحث السادس : يعتبر في قاعدة الفراغ والتجاوز أن يكون الشكّ في صحّة العمل راجعاً إلى كيفية صدوره وانطباقه على المأمور به بعد العلم بمتعلّق التكليف بأجزائه وشرائطه وموانعه موضوعاً وحكماً ، فلو كان الشكّ في الصحّة لأجل الشكّ في متعلّق التكليف من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية (١) لا تجري فيه قاعدة التجاوز والفراغ ، بل لابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول العملية حسب اختلاف المقامات ... الخ (٢).
قد تقدّم أنّ قاعدة الفراغ راجعة إلى أصالة التمامية في العمل ، وحيث إنّ ذلك العمل الذي تجري فيه قاعدة الفراغ من الأفعال المركّبة الاختيارية ، كان محصّلها هو أنّ المكلّف إذا أقدم على عمل مركّب من مجموع أجزاء وشرائط ، وتعلّقت به إرادته ، فالأصل ـ أعني القاعدة المذكورة ـ عبارة عن أنّه أتى به بتمام ما فيه من الأجزاء والشرائط ، فهذا الأصل لا يتحقّق إلاّبعد فرض تعلّق الارادة بالمجموع ، ولا تتعلّق الارادة بالمجموع إلاّبعد الالتفات إلى جميع ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط ، وبعد هذا كلّه لا يكون تركه لبعض الأجزاء والشرائط إلاّ نسياناً.
__________________
(١) مثال الشبهة الموضوعية هو أن يقطع بالجنابة فيغتسل ويصلّي ثمّ يحصل له الشكّ الساري في الجنابة ، فلو كان مسبوقاً بالحدث الأصغر كانت صلاته باطلة ، ولا تجري في حقّه قاعدة الفراغ ، إذ ليس له شكّ في ناحية نفس العمل ، وإنّما كان يشكّ في ناحية الأمر الواقعي ، وكذلك الحال في الصورة المزبورة لو تيمّم لأجل ضيق الوقت مثلاً أو لكون الماء مضرّاً له ، ولا يكون بالنسبة إلى التيمّم من قبيل الخطأ في التطبيق ، لأنّ التيمّم الذي هو بدل الغسل مخالف في الحقيقة لما هو بدل عن الوضوء ، ومع اختلاف الهوية لا تدخل المسألة في وادي الخطأ في التطبيق [ منه قدسسره ].
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٦٤٧.