وعبّر عن الثالث ـ أعني كونها من الأُصول الاحرازية ـ بقوله : وإن أُريد بها كون الفعل ( يعني العقد ) على وجه يترتّب عليه الأثر الخ ، يعني أنّ الصحّة تكون بمعنى التمامية ، ومعنى التمامية هي واجدية العقد لما يعتبر فيه ، فإن كان بلوغ العاقد مشكوكاً ، كان معنى التمامية هو تحقّق البلوغ ، فتكون أصلاً موضوعياً إحرازياً لكونه حينئذ حاكماً باحراز البلوغ في المقام ، ويكون مركب كلّ من هذا الأصل الموضوعي المحرز للبلوغ والاستصحاب المحرز لعدم البلوغ شكّاً واحداً ، وهو الشكّ في كون العاقد بالغاً عند صدور العقد ، أمّا الاستصحاب فواضح ، لأنّ مجراه هو عدم البلوغ إلى زمان الشكّ في بلوغ العاقد الذي هو زمان صدور العقد ، وحيث إنّ صدور العقد محرز بالوجدان ، وكونه مع من ليس ببالغ بالأصل ، تكون النتيجة أنّ هذا العقد كان مع غير بالغ ، وأمّا أصالة الصحّة فهي وإن كان المشكوك فيها هو كون هذا العقد مع البالغ ، إلاّ أنّ هذا العقد لمّا كان محرزاً بالوجدان ، كان الشكّ في الحقيقة متّجهاً إلى قيده أعني بلوغ العاقد ، فيكون الشكّ في بلوغ العاقد حين صدور العقد مورداً للحكم عليه بعدم البلوغ من ناحية الاستصحاب وبالبلوغ من ناحية أصل الصحّة ، ويكون موجباً للتعارض بينهما وعدم إمكان تقدّم أحدهما على [ الآخر ] لكونهما حكمين متنافيين على موضوع وشكّ واحد ، وهو بلوغ العاقد حين صدور العقد منه.
قوله : لا يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه موضوع الأثر الشرعي ، بل يكفي في صحّة الاستصحاب كون المستصحب نقيض ما هو الموضوع للأثر ، ويترتّب على الاستصحاب عدم وجود موضوع الأثر ... الخ (١).
لا يخفى أنّ عدم وجود الأثر لا يترتّب على استصحاب نقيض ما هو
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٦٧٥.