الاحتياط كما هو المفروض تكون الشبهة فيها جارية ، فلابدّ من الجواب عنها بالالتزام بالمصلحة السلوكية.
لا يقال : في الأُصول التي تارةً تكون نافية وأُخرى مثبتة مثل الاستصحاب ، يمكن الجواب عن الشبهة فيه بما تقدّم (١) من اطّلاع الشارع على أكثرية موارد إصابته الواقع ، وإنّما يتعيّن الالتزام بالمصلحة السلوكية في خصوص ما يكون نافياً محضاً ، مثل أصالة البراءة ونحوها من الأُصول النافية.
لأنّا نقول : إنّا قد فرضنا أنّ الأُصول لا تجري إلاّبعد انسداد باب العلم في مواردها ، ولذلك نقول بلزوم الفحص عن الأدلّة الاجتهادية قبل إجراء الأُصول العملية الجارية في الشبهات الحكمية ، فلا معنى للقول حينئذ بأنّ موارد الاصابة في الأُصول أكثر منها في موارد العلم ، بل يتعيّن الجواب حينئذ بما نجيب به عن الأُصول النافية من الالتزام بالمصلحة السلوكية التداركية ، والمراد بها هنا هو أنّ الشارع لاحظ خطأ جملة من هذه الأُصول وفوات مصلحة الواقع بالركون إليها ، ومع ذلك حكم بها وأعرض عن الاحتياط المحصّل للواقع ، فلابدّ أن يكون في الركون إليها مصلحة يتدارك بها ما يفوت المكلّف بالركون إليها من المصالح الواقعية. ويقرّب ذلك بما حرّر في محلّه في بحث جعل الأحكام الظاهرية وعدم المنافاة بينها وبين الأحكام الواقعية.
ولعلّ هذا الذي حرّرناه راجع إلى ما حرّرته عنه قدسسره بقولي عنه : فإنّ غاية ما يتوهّم هو أنّ سلوك الأصل مع التمكّن من تحصيل الواقع بالاحتياط مفوّت لمصلحة الواقع.
وفيه : أنّ التمكّن من الاحتياط ليس مثل التمكّن من تحصيل العلم ، فإنّ
__________________
(١) في الصفحة : ٥٢٧.