قوله : وأُخرى ممّا يتوقّف عليه شرعاً ، كتوقّف الكرّية العاصمة على إطلاق الماء ، فإنّ الكرّية لا تتوقّف على كون الماء مطلقاً ، لتحقّق الكرّية مع إضافة الماء ، إلاّ أنّ الشارع اعتبر في الكرّية إطلاق الماء ، فيكون دخل الاطلاق في الكرّية شرعياً ، بخلاف دخل الحياة في العدالة فإنّه عقلي ... الخ (١).
لا يخفى أنّ لنا في المياه حكمين : الأوّل كونه مزيلاً للخبث والحدث ، وهذا الحكم الشرعي مرتّب على كون الماء مطلقاً ، ولم يعتبر فيه الكرّية ، فيكون خارجاً عمّا نحن فيه. الثاني : كونه معصوماً لا ينفعل بملاقاة النجاسة ، وهذا الحكم الشرعي مرتّب على كون الماء المطلق كرّاً ، فالكرّية ليست من الأحكام الشرعية المجعولة للاطلاق ، فلا يكون إطلاق الماء دخيلاً شرعاً في الكرّية ، وإنّما يكون دخيلاً شرعاً في العاصمية وعدم الانفعال لكونه جزءاً من موضوع هذا الحكم الشرعي ، فإنّ موضوع هذا الحكم الشرعي مركّب من الكرّية وإطلاق الماء ، فلا تكون نسبته إلى هذا الحكم الشرعي إلاّكنسبة الكرّية إليه ، فلو كان كلّ منهما مشكوك البقاء بشكّ مستقل جرى في كلّ منهما استصحاب البقاء ، ويكفي في جريانه فيه كونه له المدخلية في ذلك الحكم الشرعي باعتبار كونه جزءاً من موضوعه.
ومن ذلك يتّضح لك أنّه لم يظهر الفرق بين هذا المثال وبين مسألة الحياة والعدالة ، فإنّ الكلام في مسألة الحياة والعدالة إنّما هو بالنسبة إلى الحكم الشرعي المترتّب على المجموع المركّب من الحياة والعدالة ، كما في جواز الاقتداء وجواز التقليد كما يستفاد ممّا أفاده فيما بعد بقوله : فإنّ استصحاب الحياة إنّما يجري من
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٦٨.