مقامه أنّ العمل بما يشتمل على مصلحة شيء مجز عن ذلك الشيء ، فلا بدّ أن يكون الأخذ بالأمارة مجزيا عن الواقع.
قلت : إنّ ما ذكرنا إنّما يجدي فيما لم ينكشف الخلاف ، وأمّا بعد انكشافه في الوقت ، فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتمال الأمارة على مصلحة الفعل ؛ إذ بعد العلم بوجوب الواقع واشتماله على المصلحة ، لا يلزم تفويت المصلحة منه تعالى ، وذلك ظاهر. نعم ، لو فرض ترتّب فائدة على وقوع الفعل في الزمان الذي وقع فيه على حسب دلالة الأمر ـ مثل المسارعة في العمل ـ فمقتضى الحكمة واللطف هو ترتّب تلك الفائدة على الأخذ بالأمارة ؛ فإنّ تفويت تلك الفائدة مستند إلى الله حيث جعل تلك الأمارة حجّة.
وينبغي أن يعلم أنّ ما ذكرنا لا يجري فيما لو كان هناك حكم مترتّب على العلم ؛ فإنّه لا بدّ من القول بالإجزاء فيه ، لأنّ موضوع ذلك الحكم واقع في الواقع ، فلا وجه لعدم ترتّبه عليه.
فلو دلّ الخبر الواحد على وجوب صلاة الجمعة ، وامتثلها المكلّف ، ثمّ أتى بالنافلة المبتدأة اتّكالا على فراغ ذمّته عن الواجب ـ بمقتضى الخبر ـ فانكشف الخلاف ، بأنّ الواجب عليه في الواقع هو الظهر دون الجمعة ، فهنا امور : أحدها : وجوب إعادة الصلاة ظهرا ، وثانيها : لزوم ترتّب فائدة التعجيل والمسارعة ـ التي لم يبق محلّها بعد الكشف ـ على العمل بالأمارة ، وثالثها : صحّة النافلة المبتدأة فيما لو قلنا بأنّ صحّتها متفرّعة على العلم بعدم اشتغال الذمّة بالفريضة ، كما قد يستظهر ذلك من كلمة « الاستعلاء » في قوله : « لا تطوّع لمن عليه الفريضة » (١) وأمّا لو قلنا بأنّ صحّتها موقوفة على عدم اشتغال الذمّة واقعا بالفريضة ، فلا وجه للقول بالصحّة حينئذ.
__________________
(١) المستدرك ٣ : ١٤٤ ، الباب ٢٨ من أبواب المواقيت ، الحديث ٢.