والوجه في ذلك كلّه ظاهر ؛ إذ لو لا أنّ الأحكام الواقعيّة محفوظة عند الجهل والعلم ، لوجب أن يكون بدل قوله : « حتّى تعرف الحرام » ، « حتّى يصير حراما بالمعرفة » ومن هنا قلنا : بأنّ مقتضى تلك الأخبار هو وجوب الاجتناب عن الحرام المعلوم إجمالا في أطراف الشبهة المحصورة.
وأظهر من ذلك قوله : « كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » (١) فإنّ القذارة أمر لا مدخل للعلم والجهل فيها وتكون ثابتة على التقديرين ، غاية الأمر جواز ترتيب آثار الطهارة على المشكوك من حيث هو مشكوك الطهارة ، لا أنّ موارد الشكّ طاهرة في الواقع بواسطة الاصول المعمولة فيها.
وما ذكرنا غير خفيّ على المتتبّع الماهر ، سيّما بعد ملاحظة وجوب الفحص والسؤال عن الأحكام الواقعيّة ؛ إذ المكلّف يمتنع خلوّه عن موارد الاصول العمليّة ، وعلى أيّ تقدير يصل إليه ما يساوي الأحكام الواقعيّة المجعولة على طبق الصفات الكامنة (٢) من جهة المصلحة ، ومن المعلوم أنّ وصول ما يساوي لمصلحة الشيء يوجب سقوط ذلك الشيء ، وقضيّة ذلك عدم وجوب الفحص والسؤال ـ كما قلنا ـ مع أنّه مأمور به في جملة من الروايات (٣) ، بل وهو ممّا اتّفقت عليه كلمة أصحاب التخطئة (٤).
__________________
(١) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤ ، وفيه : « كلّ شيء نظيف ... ».
(٢) في « ع » بدل « الكامنة » : « الكائنة ».
(٣) انظر الكافي ١ : ٤٠ ، باب سؤال العالم ، الحديث ٢ و ٥ ، والوسائل ٢ : ٩٦٧ ، الباب ٥ من أبواب التيمّم ، الحديث ١ و ٦ ، وانظر فرائد الاصول ٢ : ٤١٢ ـ ٤١٣.
(٤) لم ترد عبارة : « بل وهو ممّا اتّفقت عليه كلمات أصحاب التخطئة » في « ع » و « م ».