وكيف كان ، فالدليل عليه : أنّ كلّ ما تعلّق الاجتهاد على سببيّة شيء ـ كالبيع للملك ، أو الغسلة الواحدة للطهارة ، أو الذبح للتذكية ، أو غير ذلك ـ ثمّ أوجد المكلّف ذلك السبب في الخارج على حسب الاجتهاد أو أحد الطرق الشرعيّة ، فقد وقع ذلك السبب في الخارج من أهله في محلّه ، ولا وجه لارتفاع أثره إلاّ بما جعله الشارع رافعا له ، من الإقالة والفسخ وحدوث النجاسة ونحوها ، وليس تبدّل الاجتهاد منه. بخلاف الأحكام التكليفيّة الصرفة ، فإنّها منوطة بالاجتهاد والتقليد ، ويختلف باختلافهما.
وملخّص الفرق ، هو : أنّ مرجع النقض في القسم الأوّل إلى نقض الآثار الحاصلة في الخارج بواسطة وجود السبب القاضي بوجودها على حسب الاجتهاد الأوّل ، ومرجع النقض في القسم الثاني إلى رفع الأحكام الثابتة بالاجتهاد والتقليد.
ومن هنا يمكن أن يقال : إنّه ليس بنقض في الحقيقة ؛ إذ ليس في المقام ما من شأنه البقاء ، مثل الآثار الحاصلة من الأسباب العرفيّة أو الشرعيّة ؛ وإنّما يسمى نقضا إذا لوحظ كلّي (١) الواقعة ، لاختلاف أحكام أفرادها في زمانين ، ولا ريب أنّ الحكم بوجوب الاجتناب عن العصير بواسطة الاجتهاد في زمان لا يناقض الحكم بطهارته في زمان آخر. وقد عرفت ما لا حاجة معه إلى إطالة الكلام في النقض والإبرام.
ومن أجود (٢) طرق التفصيل ما سلكه بعض أفاضل المتأخّرين في مناهجه ، حيث قال : « اعلم أنّ جميع العقود والإيقاعات بل كلّ ما جعله الشارع المقدّس سببا أو شرطا أو مانعا ـ ممّا وقع فيه الخلاف ـ لها حقائق نفس أمريّة واقعيّة هي ما
__________________
(١) لم يرد « كلّي » في « ع ».
(٢) لم يرد « أجود » في « ع » و « م ».