قرّره الشارع أوّلا ، وحقائق ظاهريّة وهي ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع ، وهي قد تطابق الواقعيّة وقد تخالفها ، ولمّا لم يكن لنا سبيل إلى الحقائق الواقعيّة ، ولا تكليف فوق الوسع ، فالسبب والشرط والمانع وأمثالها لنا هي هذه الحقائق الظاهريّة.
ومن البديهيّات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة : أنّ ترتّب الآثار على هذه الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فقد يترتّب الأثر بالنسبة إلى شخص ولا يترتّب عليه بالنسبة إلى آخر ، كما أنّ ملاقات النجاسة سبب لنجاسة الماء القليل عند القائل بها ، وليست سببا عند آخر ، ولا شكّ أنّ القليل الملاقي نجس للأوّل وطاهر للثاني. وكذا قطع الحلقوم فقط سبب لحلّية الذبيحة بالنسبة إلى مجتهد دون آخر. وكذا إيقاع العقد بالفارسيّة ـ مثلا ـ سبب للانتقال عند مجتهد دون آخر.
ولم يقل أحد بأنّ كلّ ما هو سبب عند مجتهد وفي نظره أو شرط يجب أن يكون كذلك عند كلّ الناس ، بل مقتضى الأصل أيضا العدم ، فلا يترتّب الأثر إلاّ فيما دلّ الدليل عليه ، وهو في حقّ من ظنّه كذلك خاصّة.
ومن هذا يظهر : أنّ ترتّب الآثار على العقود الظاهريّة وأمثالها ليس من اللوازم الواقعيّة التي لا يتخلّف عنها البتّة.
نعم ، القدر الثابت أنّها من اللوازم بالنسبة إلى مجتهد يعلمها كذلك أو مقلّده ، ولذا يبنى على الصحّة في حقّهما ويترتّب عليهما الآثار بالنسبة إليهما ، بل بالنسبة إلى مجتهد آخر إذا وقع عن المجتهد الأوّل ومقلّده وكان أثرا مترتّبا على ترتّب الآثار بالنسبة إلى المجتهد الأوّل ومقلّده ، كما مرّ مفصّلا.
وأما ترتيب الآثار بالنسبة إلى كلّ مجتهد ومقلّده فكلاّ ؛ إذ لم يقل أحد بأنّ المجتهد الذي لا يكتفي بالفارسيّة إذا أتى بها يترتّب عليه الأثر بالنسبة إليه (١).
__________________
(١) مناهج الأحكام : ٣٠٩.