وما ذكرنا من نقل كلامه هذا إنّما هو توطئة لنقل كلام آخر له في تحقيق المقام ، حيث قال : « فنقول ـ ومنه جلّ شأنه التوفيق ـ : إذا استقرّ رأي المجتهد في زمان على فتوى وعمل نفسه ومقلّده (١) ، ثم تجدّد رأيه ، فنقض الاولى في الزمان الثاني يتصوّر على وجوه :
الأوّل : إبطالها من رأس والحكم بعدم (٢) حكم الله فيما مضى ، والحاصل جعلها لاغية بالمرّة حتّى في الزمان المتقدّم ، مثلا إذا أفتى أوّلا بكون استتار القرص مبدأ الليل ، ثمّ استقرّ رأيه بأنّه زوال الحمرة ، يحكم بقضاء الصوم الذي أفطر قبل الزوال.
الثاني : إبطال الآثار المتقدّمة في هذا الزمان الثاني ، يعني أن لا يعمل بالاولى في الثاني ، ويبني أعماله المتجدّدة على الثانية (٣).
الثالث : إبطال الآثار المترتّبة على عمل صادر في الزمان الأوّل بفتواه الاولى التي لو لا تغيّر الرأي لقطع بترتّب هذه الآثار على ذلك العمل ، مثل أن ينكح بالفتوى الاولى باكرة بغير إذن الولي ، فإنّه يترتّب على ذلك النكاح آثار لو لا تجدد الرأي لقطع بترتّبها عليه.
أمّا الأوّل ، فلا خلاف في عدم جواز النقض بهذا المعنى ، والإجماع بل الضرورة ولزوم الحرج واستصحاب عدم شغل ذمته وعدم البطلان يدلّ عليه ، ولولاه لزم على كلّ أحد قضاء عباداته المبنيّة على رأي مجتهد تبدّل رأيه ، وردّ ما اشتراه واسترداد ما باعه ؛ وكذا في الزكاة المخرجة ، وغير ذلك ، وهو ممّا لم يقل به أحد.
__________________
(١) في المصدر : « أو مقلّده بها ».
(٢) في المصدر زيادة : « كونها ».
(٣) كذا في المصدر ، وفي النسخ : « الثاني ».