وأمّا الثاني ، فلا خلاف في جواز النقض بهذا المعنى بل وجوبه ؛ فإنّه لازم تغيّر الرأي وتعبّد كلّ باجتهاده واجتهاد مجتهده ، وهو ضروريّ أيضا.
وأمّا الثالث ، فيظهر عدم جوازه من عدم جواز النقض بالمعنى الأوّل ؛ لأنّ العمل الصادر في الزمان الأوّل كان صحيحا مستتبعا للأثر وقد صدر في الأوّل ، وبعد تجدّد الرأي لا يجوز الحكم بكون هذا العمل باطلا في الزمان الأوّل وليس حينئذ موجودا ، حتّى يصير موردا للفتوى الثانية ؛ فما وقع لم يرد عليه البطلان ، فلم لا يترتّب عليه أثره؟!
والحاصل : أنّ المفروض أنّ العمل المذكور مستتبع لأثره ما لم يطرأ عليه الفساد ، ولم يطرأ عليه ؛ أمّا في السابق فظاهر ، وأمّا في اللاحق فلعدم وجوده. وأيضا لم يحدث في اللاحق إلاّ استقرار الرأي بأنّ هذا العمل لو وقع في هذا الزمان لم يترتّب عليه الأثر ، ولا تأثير لذلك في ارتفاع أثر العمل السابق (١).
ثم إنّه رحمهالله فرّع على هذا بقاء نكاح البكر بحاله بعد التغيّر ، ثمّ استدلّ عليه باستصحاب استتباع الآثار ، واستصحاب نفس الأثر ـ كالزوجيّة ـ وبعمل السلف والخلف ، ثمّ أورد على الاستصحاب بأنّه شكّ في استعداد تلك الآثار للبقاء ، وأجاب بأنه شكّ في تحقّق المبطل.
ثمّ قال بعد ذلك كلّه : والتوضيح أنّ الأفعال الجزئيّة المتحقّقة حال الرأي الأوّل ، من الأسباب والشروط والموانع على قسمين :
أحدهما : ما يكون تأثيره وعدم تأثيره بالنسبة إلى شخص خاص أو أشخاص معيّنين من غير تجاوز منه ـ كالأمثلة الاولى ـ فإنّ العقد الجزئي الواقع على مرأة ، إنّما يصير سببا لحلّيتها على الزوج المعيّن من غير مدخليّة غيره أصلا ، وإذا كان باطلا يكون غير مؤثّر في حقّه كذلك.
__________________
(١) مناهج الأحكام : ٢٨٧.