على الثاني : فلأنّ الفعل الصادر من الفاعل وإن كان بحسب الذات هي الحركة الخاصّة ، إلاّ أنّ من المعلوم اختلاف وجوهها ، ومن الممكن أن يكون وقوع الخاصّة على وجه خاصّ ممّا يتوقّف على وجود الطهارة ، فلو كان المأمور به هو الفعل على ذلك الوجه الخاصّ يمتنع حصول الفعل في الخارج على الوجه المذكور بدون الطهارة.
وإذ قد عرفت ما قلنا ، فاعلم : أنّ من المحقّق في مقامه (١) أنّ الأحكام الوضعيّة ممّا لا تقبل الجعل ، فإنّها امور واقعيّة قد كشف عنها المطّلع عليها ، فمرجع اشتراط الصلاة بالطهارة إلى أنّ الشارع قد كشف عن توقّف وجود الصلاة بحسب الواقع على الطهارة ، فالصلاة الواقعيّة ممّا يمتنع حصولها بدون حصول الشرائط ، فمرجع المقدّمة الشرعيّة إذا لم يكن على وجه التقييد (٢) أيضا إلى المقدّمة العقليّة ؛ وذلك أمر ظاهر بعد الاطّلاع على ما هو المحقّق في محله.
ولا خفاء في دخول الأقسام الثلاثة كلّها في النزاع.
ومنها : تقسيمها إلى مقدّمة الصحّة ومقدّمة الوجوب ومقدّمة العلم ومقدّمة الوجود.
والتحقيق رجوع الثلاثة الاول إلى الأخيرة ، فإنّ وجود الصحّة والوجوب والعلم موقوف على مقدّماتها ، إلاّ أنّهم لاحظوا الموصوف بهذه الأوصاف فاعتبروا تقسيم المقدّمة بالنسبة إليه ملاحظا فيه حال تلك الأوصاف ، فما يتوقّف عليه وجود ذلك الموصوف هي مقدّمة الوجود ، وما يتوقّف عليه الأمر به هي مقدّمة الوجوب ، وما يتوقّف عليه صحّته هي مقدّمة الصحّة ، وما يتوقّف عليه العلم بوجوده وتحقّقه هي مقدّمة العلم. والأمثلة ظاهرة ، كنصب السلّم ، والاستطاعة ، والطهارة ، وإيقاع الصلاة في أربع جهات عند اشتباه القبلة.
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٣ : ١٢٦ ـ ١٣٠.
(٢) في ( ع ) : التقيّد.