قال السيّد في الذريعة : فصل ـ هل الأمر بالشيء أمر بما لا يتمّ إلاّ به؟
اعلم : أنّ كلّ من تكلّم في هذا الباب أطلق القول بأنّ الأمر بالشيء هو بعينه أمر بما لا يتمّ ذلك الشيء إلاّ به ؛ والصحيح أنّه يقسّم ذلك ، فنقول : إن كان الذي لا يتمّ ذلك الشيء إلاّ به سببا فالأمر بالسبب يجب أن يكون أمرا به ، وإن كان غير سبب وإنّما هو مقدّمة للفعل وشرط لم يجب أن يعقل من مجرّد الأمر به أنّه أمر به. والذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه : أنّ ظاهر الأمر يقتضي ما تناوله لفظه ، وليس يجوز أن يفهم منه وجوب غيره ممّا لا يتناوله اللفظ إلاّ بدليل غير الظاهر ؛ لأنّه إذا قيل : « صلّ » فالأمر يتناول الصلاة ، والوضوء الذي ليس بصلاة إنّما يعلم وجوبه بدليل غير الظاهر.
وممّا يوضّح ذلك : أنّ الأمر في الشريعة قد ورد على ضربين : أحدهما : يقتضي إيجاب الفعل دون إيجاب مقدّماته ، نحو الزكاة والحجّ ، فإنّه لا يجب علينا أن نكتسب المال لتحصيل النصاب أو نتمكّن به من الزاد والراحلة ، بل متى اتّفق لنا النصاب وحال عليه الحول وجب الزكاة ؛ وكذلك في الزاد والراحلة. والصورة الاخرى : يجب فيه مقدّمة الفعل كما يجب هو نفسه ، وهو الوضوء للصلاة وما جرى مجراها ، فإذا انقسم الأمر في الشريعة إلى قسمين ، فكيف نجعلهما قسما واحدا؟ فإذا قيل : مطلق الأمر يقتضي تحصيل مقدّماته ، فأمّا ما كان مشروطا منه بصفة ـ كالزكاة والحجّ ـ فلا يجب ذلك فيه. قلنا : هذه دعوى ، ما الفرق بينكم وبين من عكسها؟ فقال : إنّ مطلق الأمر يقتضي إيجابه دون غيره ، فإذا علمنا بوجوب المقدّمات كالوضوء في الصلاة علمناه بدليل خارج عن الظاهر. والصحيح أنّ الظاهر محتمل للأمرين احتمالا واحد وإنّما يعلم كلّ واحد منهما بدليل. فإذا تعلّقوا بالسبب والمسبّب وأنّ إيجاب المسبّب إيجاب السبب لا محالة ، قلنا : هو كذلك ، والفرق بين الأمرين أنّه محال أن يوجب علينا المسبّب بشرط اتّفاق وجود السبب ،