لأنّا نقول : وذلك أيضا ممّا لا مدخل فيه لما نحن بصدده ، لاختصاص التبعيّة بما هو واقع المعنى ، كما يظهر ذلك فيما هو متعلّق بما هو الواقع في المثال المذكور ، فإنّ حقيقة ثبوت الركوب لزيد يقتضي اتّحاد الركوب المأخوذ لا بشرط شيء أو المشتقّ منه مع زيد في الوجود ، وذلك لمّا كان من لوازم ذلك المعنى فلا يختلف باختلاف ملاحظاته ولا باختلاف عباراته. نعم ، الامور الراجعة إلى الألفاظ أو ملاحظات المعنى كالأحكام اللفظيّة من الرفع والنصب والتنكير والتعريف يختلف باختلاف العبارات ، وقد عرفت في التمهيد أنّ الوجوب العارض للمقدّمة من لوازم واقع الطلب.
فإن قلت : قد ذكر في كلامه (١) أنّ نسبة الفعل إلى الزمان والمكان متساوية ، والفعل قد يؤخذ المكان فيه قيدا على وجه يختلف المعنى الموجود في نفس الطالب فيه إذا كان المطلوب ممّا يختصّ بكونه وحصوله في ذلك المكان ، كما إذا قيل : « جئني بالبطّيخ الموجود في بلد كذا » ، فإنّ التقييد على ذلك الوجه يغاير التقييد على وجه آخر ، كما إذا لم يكن المطلوب ممّا يختصّ بكونه في مكان خاصّ ، كما إذا قيل : « جئني بالبطّيخ في مكان كذا » ، فإنّ المأمور به على الأوّل هو البطّيخ الحاصل في ذلك المكان ، بحيث لو أتى بدلا عنه ما يكون في بلد آخر لم يكن مجزئا. وعلى الثاني هو مطلق البطيّخ ، ولكنّه يريده منه في مكان كذا. وقد يؤخذ المكان في الفعل على وجه لا يختلف المعنى فيه كما إذا قيل : « إذا دخلت في مكان كذا فجئني بالبطّيخ » أو قيل : « جئني بالبطّيخ في مكان كذا » وحيث إنّ نسبة الفعل إلى الزمان والمكان متساوية ، فيمكن أن يكون الزمان قيدا على وجه يختلف المأمور به فيه ، كما عرفت في المكان.
__________________
(١) أي كلام صاحب الفصول.