وعلى الأوّل ، إمّا أن يكون المكلّف عالما باقتداره من المكلّف به وقت حضور زمانه بإتيانه على جميع أجزائه وشرائطه ولواحقه ، أو يشكّ في ذلك ، أو يعلم بعدم اقتداره له في ذلك الزمان ، لكنّه قادر على تمهيد مقدّماته قبل حضوره.
لا كلام في جواز التأخير عند علمه باقتداره من المكلّف به على وجهه. وصورة الشكّ أيضا ممّا لا دخل لها بالمقام ؛ لأنّ المرجع في ذلك إلى الاصول العمليّة ، ولعلّ الأصل عدم الوجوب في ذلك الزمان ، والظنّ به ملحق إمّا بالعلم أو بالشكّ.
وأمّا عند العلم بعدم اقتداره في ذلك الوقت مع تمكّنه من المقدّمات قبله ، كما إذا أمر المولى عبده بالمسافرة بعد الزوال مع علمه بعدم تمكّنه من الراحلة بعده وتمكّنه قبله ، فإن تهيّأ الإتيان (١) بذلك الواجب بترتيب مقدّماته من شراء الزاد وإجارة الراحلة ونحو ذلك ، فلا ينبغي أن يتأمّل في أنّ ذلك العبد مطيع لأمر مولاه. وإن تخلّف عنها ولم يتهيّأ للواجب وأهمل في تمهيد المقدّمات ، فالعقل المستقيم حاكم جزما باستحقاقه العقاب المترتّب على ترك الواجب عند تركه ما يمكن التوصّل به إليه ، ولا يتوقّف ذلك على حضور زمان الفعل.
ويكشف عمّا ذكرنا ملاحظة الوجدان الخالي عن الاعتساف وملاحظة طريقة العقلاء أيضا ، فإنّه يحسن من المولى ذمّ العبد حينئذ ، ولو اعتذر بعدم حضور الوقت فلا يستحقّ أن يصغى إلى اعتذاره ، كيف وهو عاص قطعا ومخالف جدّا!
وعلى الثاني ـ وهو ما إذا لم يكن الزمان واسعا للمقدّمة أيضا ـ فالأمر في المخالفة عند تركه المقدّمة أظهر ولا قبح في عقابه عند العقل ، وحيث إنّك قد عرفت أنّ القاضي بالوجوب فيما نحن بصدده هو العقل ، فلا مانع من اتّصاف المقدّمة
__________________
(١) كذا ، والمناسب : للإتيان.