وبالجملة ، فلا قبح في العقول فيما إذا عاقب المولى عبده عند تقصيره فيما أمره به ولو بواسطة تفويته التكليف على نفسه. ولا ينافي ذلك إطباقهم على عدم وجوب مقدّمة الواجب المشروط ؛ لما عرفت من أنّ المقدّمة الوجوبيّة مع كونها من قيود الفعل لا ينبغي أن تكون موردا للتكليف ؛ لأنّ الطلب إنّما يتعلّق بالفعل الملحوظ على وجه مخصوص. وأمّا المقدّمات الوجوديّة الأخر ، فتارة نقول بأنّها لو قام الدليل على عدم وجوبها قبل الوقت فلا بدّ من الالتزام بأنّ القدرة المعتبرة في هذه الواجبات التي يتوصّل إليها بهذه المقدّمات قدرة خاصّة ، لا مطلق الاقتدار. وتارة نقول بأنّ ذلك يتمّ فيما لم يكن الشرط راجعا إلى تقسيم موضوع المكلّف ، كأن كان راجعا إلى تقسيم الفعل. وقد عرفت تفصيل ذلك ، فلا نطيل بالإعادة ، فتدبّر في المقام ، فإنّه حقيق بذلك جدّا.
قد عرفت أنّ وجوب المقدّمة على القول به وجوب يدعو إليه العقل بعد اطّلاعه على وجوب ذيها ، وبذلك يرتفع الإشكال في الموارد المذكورة. وهل العقل يدعو إلى الإتيان بالمقدّمة قبل زمان ذيها في كلّ زمان يقتدر عليه ولا يفرق بين الزمان المقارن لزمان ذيها وبين غيره ، أو يقتصر حكمه به في آخر زمان لا يتمكّن بعده من الامتثال؟ وجهان بل قولان ، كما يظهر ذلك من ملاحظة أقوالهم في الغسل قبل الفجر ، فقال بعضهم : بأنّ الواجب هو الغسل في زمان يمكن أن يقع فيه قبل الفجر ، وهو المنسوب إلى المشهور (١). وقال بعضهم : إنّ الواجب هو الغسل في أيّ جزء من أجزاء الليل كان ، وهو خيرة المحقّق الخونساري (٢). وهو المنصور.
__________________
(١) نسبه اليهم صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ١ : ٣٤.
(٢) انظر مشارق الشموس : ٣٨٦.