لأنّا نقول : إن اريد بذلك من غير تأويل في نفس الفعل فهو فاسد قطعا ، لامتناع إرادة فعل الغير عن المأمور. وإن اريد به ذلك مع التأويل ـ كأن يكون المراد التسبيب ـ فهو مجاز لا ينبغي أن يصار إليه من دون دليل ، على ما صرّح به جماعة في أمثال قوله تعالى : ( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً )(١) وذلك ظاهر جدّا.
وأمّا الثاني : فلأنّ الفرق المذكور لو تمّ ـ على ما ستعرف الوجه فيه ـ فهو من فروع الفرق الأوّل ، وهو اشتراط التعبّدي بالنيّة دون التوصّلي ، وليس بفرق آخر.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه متى ما علمنا بامتياز أحدهما عن الآخر مصداقا فلا إشكال ، فإنّه يجب الإتيان بالتعبّدي على وجه الامتثال ، كأن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل في الخارج هو الأمر ، وهو المراد بالقربة التي قلنا باعتبارها في التعبّدي. ولا يجب الإتيان بالتوصّلي على وجه الامتثال ، فلو أتى بالفعل المأمور به في الخارج لا بداعي الأمر ، بل بواسطة الدواعي الموجودة في نفسه ممّا لا يتعلّق بالأمر ، لم يجز في الأوّل ويجزئ في الثاني.
أمّا الأوّل ، فللإخلال بما هو المقصود من الفعل وعدم وقوعه على وجهه ، فيجب الإتيان به ثانيا على ما هو المطلوب.
وأمّا الثاني ، فلأنّ المفروض حصول المطلوب من المكلّف في الخارج على وجهه ، فلا بدّ من سقوط الأمر.
نعم ، استحقاق العبد للثواب المترتّب على الفعل ـ على ما هو المصرّح به في كلام المتكلّمين ـ إنّما هو فيما إذا أتى بالفعل على وجه الامتثال والقربة ، والكلام ليس في ذلك.
وإذا شكّ في واجب من الواجبات أنّه من الأوّل أو من الثاني ، فهل ظاهر الأمر قاض بأيّهما؟
__________________
(١) غافر : ٣٦.