به أنّهم مأمورون بالانقياد والتذلّل حال كونهم مخلصين له التعبّد والانقياد من غير اختلاطه بانقياد غيره ، كما ينظر إلى ذلك التفاسير المنقولة والآيات المشابهة لها في المساق ، على ما عرفت.
ولو تنزّلنا وأغمضنا عن ذلك كلّه ، فيجب حمل الآية على الاستحباب ، إذ على تقدير إرادة وجوب نيّة القربة يلزم تخصيص مستبشع لا يمكن التزامه ، إذ الأغلب في الأوامر الواردة في شريعتنا أنّها واجبات توصّليّة. ولعلّ ذلك ممّا لا يقبل الإنكار.
الثاني : قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(١).
وجه الدلالة : أنّ الإطاعة ممّا قد امر بها في هذه الآية ، ولا تصدق إلاّ بقصد الامتثال ، فيجب ذلك في الأوامر نظرا إلى وجوب الإطاعة. فتكون هذه الآية حاكمة على ظواهر الأوامر الواردة في المقامات الخاصّة ، نظير ورود قوله تعالى : ( وَسارِعُوا )(٢) على الأوامر الخاصّة على القول بدلالتها على الفور.
والجواب عنه : أنّ الإطاعة تارة تطلق ويراد بها ما لا يصدق بدون قصد الامتثال على ما هو مناط الاستدلال ، وتارة يطلق ويراد بها مجرّد عدم المعصية.
وليس يجوز أن يكون المراد بها في المقام هو الأوّل ، إذ على تقديره يلزم أن يكون إطاعة الرسول واجبة أيضا بمعنى قصد التقرّب إليه تعالى ، مع أنّ الإجماع قائم بعدم وجوب إطاعة الرسول بهذا المعنى ، إذ لم يقل بوجوب قصد التقرّب إليه تعالى أحد من العلماء ، ولا يكفي في ذلك أنّ إطاعة الله بعينها هي إطاعة الرسول ، إذ الظاهر من تكرار الأمر في الآية تكرار المأمور به ، ولذلك أوردنا في الاستدلال هذه الآية ، مع أنّه يمكن الاستدلال بآية لم يكرّر فيها الإطاعة ، فتدبّر.
__________________
(١) النساء : ٥٩.
(٢) آل عمران : ١٣٣.