هداية
بعد ما عرفت من أنّه لا دليل على لزوم قصد القربة في الأوامر ، فهل هناك ما يدلّ على اعتبار قصد العنوان في المأمور به ، أم لا؟ وجهان ، بل قولان ، فذهب جماعة إلى الأوّل (١). والحق هو الثاني.
وقبل الدخول في الاستدلال ينبغي أن يعلم أنّه لا إشكال في أنّ الفعل إذا لم يصحّ استناده إلى المكلّف بوجه من الوجوه ليس مجزيا في الأمر ، مثل ما إذا فرض الإكراه والإجبار في صدور الفعل ، دون ما إذا حصل له الداعي إكراها ، للفرق الظاهر بين الوجهين ؛ وذلك لأنّ المنساق من الفعل المأمور به هو ما يكون مستندا إلى المكلّف ، إمّا بدعوى أنّ لفظ « الفعل » حقيقة فيما يصحّ انتسابه إليه وإن كان بعيدا عن التحقيق ، لما قرّر في مقامه من تقسيم الفعل إلى الأفعال الاختياريّة الصادرة عن الفاعل المختار وغيرها ممّا يصدر عن الفاعل الموجب ؛ مضافا إلى أنّ لفظ « الفعل » ممّا لا يجدي كونه حقيقة ، إذ ليس المأمور به عنوان الفعل بل مصاديقه كالضرب ونحوه ، فلا بدّ من التكلّم فيها. وإمّا بواسطة أنّ الضرب المأمور به منصرف عرفا إلى ضرب يصحّ استناده إلى الضارب ، فلو أمر المولى عبده بالضرب مثلا وأخذ يده واحد من غلمانه وأوقعها على واحد لم يكن العبد ممتثلا. ولعلّ ذلك مفروغ عنه عندهم.
ويلحق بذلك ما إذا صحّ استناده إليه ولكن لم يكن الفعل واقعا على شعور ،
__________________
(١) كالعلاّمة في مبادئ الوصول : ١١٤ ، ولم نعثر على غيره.