وأمّا ثانيا (١) : فلأنّ القول بوجوب المقدّمة الموصلة يرجع إلى القول بوجوب مطلق المقدّمة في لحاظ الواقع.
وبيانه يحتاج إلى تمهيد ، وهو أن يقال : إذا كان المأمور به مقيّدا بشيء فهناك صورتان :
الاولى : أن لا يكون القيد مغايرا في الوجود للمقيّد ، كما في الفصول اللاحقة للأجناس ، فإنها لا تغايرها في الوجود الخارجي ، وإنّما يمتاز أحدهما عن الآخر بتعمّل من العقل بانتزاع مفهوم مشترك من الحقيقة النوعيّة وما تتميّز تلك الماهيّة ، وهو ظاهر.
الثانية : أن يكون القيد مغايرا في الوجود ، كما إذا أمر المولى بإتيان زيد فجاء مع عمرو ، ونحو ذلك من الامور التي يعتبر لحوقها بالمقيّد مع جواز انفكاكها عنه وجودا.
لا إشكال في أنّ الواجب على الاولى أمر واحد لا يتصوّر انفكاك القيد فيه عن المقيّد ، ولو حاول المكلّف الامتثال به لا وجه للقول بأنّه يجب إيجاد المطلق مقدمة ثمّ إلحاق القيد به ، إذ المفروض وحدة الوجود فيهما ، ولا يعقل التفكيك بين أمرين متّحدين في الوجود بالسبق واللحوق.
كما أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ الواجب على الثانية إيجاد ما يتّصف بالقيد ثمّ إيجاد القيد ليتّصف به المقيّد ، لأنّ المفروض تغايرهما في الوجود ، ومن أراد إيجاد المقيّد على أنّه مقيّد لا مناص له من ذلك.
لا يقال : إنّ المطلوب في المقامين أمر وحدانيّ حاصل من اعتبار انضمام القيد إلى المقيّد ، ولا يفرق في ذلك كون القيد خارجيّا أو ذهنيّا.
__________________
(١) مرّ الإيراد الأوّل في الصفحة ٣٦٨.