فرض وقوع النزاع فيه فالقول قول النافين ، إذ لا ملازمة بين وجوب شيء وبين تعلّق إرادة مستقلّة بما يتوقّف عليه ، لما عرفت من إمكان الغفلة. ولذلك من زعم أنّ النزاع في ذلك التزم بعدم الوجوب.
ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في وجوب المقدّمة بمعنى اللابدّية. والتحقيق : أنّها ليست وجوبا يعدّ في عداد الأحكام التكليفية ، بل الواقع أنّها أقرب إلى الأحكام الوضعيّة ؛ ولذلك لا يختلف ذلك باختلاف الأحكام ، فإنّها ترجع إلى معنى المقدّمية ، وهو ظاهر.
كما أنّه لا ينبغي النزاع في إسناد الوجوب الحاصل لذيها إليها مجازا وبالعرض ، كما قد يتحقّق ذلك بين المتلازمين ، كما عرفت : من أنّ الاستقبال إلى القبلة يلازم استقبال أبي قبيس ووقوع الجدي خلف المنكب الأيمن في بعض البلاد ، وعند التحقيق يكون الوجوب المسند إلى اللازم وجوبا عرضيّا ، لعدم اتّصاف المورد حقيقة بالوصف ، بل الموصوف هو اللازم الآخر ، فيكون ذلك من قبيل الواسطة في العروض.
والعجب من بعض الأساطين! حيث حرّر نزاعهم في هذا المقام ومع ذلك اختار القول بعدم الوجوب (١) ، مع أنّ ذلك على هذا التقدير ينبغي أن يعدّ من الضروريّات.
وكذا لا ينبغي النزاع في الوجوب الإرشادي ، بمعنى أنّ العقل بعد ملاحظة وجوب ذي المقدّمة مع امتناع التوصّل إليه بدون الإتيان بالمقدّمة ـ كما هو اللازم من معنى المقدّمة ـ يقوم مقام الناصح الأمين ويحكم بالإتيان بما يتوقّف عليه الواجب ، إلاّ أنّ ذلك منه إراءة طريق المصلحة مع كونه في مقام بذل النصح. ولا ينبغي أن ينازع في ذلك ، فإنّه بمكان من البداهة.
__________________
(١) راجع القوانين ١ : ١٠٤.