وما قيل : من أنّ وجوب (١) اللازم من الإجارة إنّما يؤكّد وجوب الصناعة على الكفاية فلا ينافي ذلك (٢) ، إنّما هو كلام خال عن التحصيل ؛ لجريان ذلك في حقّ الجعل مع أنّه لا وجوب ، بل المانع من ذلك إنّما هو استفادة مملوكيّة العمل الواجب مجّانا للغير من الأخبار الواردة في موارد إثبات تلك الحقوق ، فإنّ المستفاد من الأخبار أنّ المؤمن قد ملك عن أخيه المؤمن امورا ، منها الدفن وما يتعلّق به (٣) ، فأخذ الاجرة في قبال العمل المملوك للغير يعدّ من الأكل بالباطل.
هذا إذا كان الواجب من الامور التوصّليّة. وكذا إذا كان الواجب من الامور التعبّديّة ، فإنّ المطلوب من العبد (٤) هو الإتيان بالعمل على وجه العبادة ، فكأنّه يكون العمل ملكا لله قد استحقّ (٥) عليه بالعمل ، فلا وجه لتمليكه غيره بالعمل المذكور.
وبالجملة ، فالذي قوّيناه في محلّه (٦) اختصاص المنع من الاجرة بما إذا استفدنا من دليل وجوب العمل لزوم وقوعه على وجه المجانيّة ، كالدفن أو الكفن ونحوهما ، فإنّ الساعي في مقدّماتهما مثل الساعي في أداء ما عليه أداؤه من العمل إذا ملكه الغير منه ، أو فيما إذا كان الواجب تعبديّا. وأمّا في غير هذه الموارد فلا دليل على حرمة الاجرة ؛ ولذلك قلنا : قضيّة القواعد جواز أخذ الاجرة على القضاء بين المسلمين ، وكذا على السعي إلى الميقات ممّن وجب عليه الحجّ ، فيكون النسبة بين
__________________
(١) كذا ، والمناسب : الوجوب.
(٢) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ٩٢.
(٣) راجع الأخبار الواردة في حقوق الإخوان ، الوسائل ٨ : ٥٤٢ ، الباب ١٢٢ من أحكام العشرة.
(٤) في ( ع ) ، ( م ) : التعبّد.
(٥) في ( ع ) ، ( م ) : فلا يستحقّ.
(٦) انظر المكاسب ٢ : ١٤٣.