ولو بالعرض فلا وجه للفرق المذكور ، ألا ترى أنّ الوجه المذكور لا ينهض مصحّحا للقول بتكليف المرتدّ الفطري بناء على عدم قبول التوبة منه.
ومن هنا ينقدح فساد ما قد يظهر من المعالم وبعض الناظرين في كلامه : من أنّ الكلام إنّما هو فيما هو مقدور بالنظر إلى ذات المكلّف به والزمان والمكان وسائر الامور الخارجة سوى إرادة المكلّف واختياره ، فكيف يصير ممتنعا امتناعا مانعا عن تعلّق التكليف بمجرّد إرادته واختياره؟ كيف! ولو كان كذلك لما تحقّق عاص بترك الواجبات مثلا ، إذ الفعل ممتنع فيه بالنظر إلى إرادته واختياره عدمه (١) ، انتهى.
وليت شعري! فهل يذهب وهم إلى أنّ مدار الاستدلال على ترك مقدّمة اختياريّة يمكن الإتيان بها في الآن الثاني ، ومع ذلك اختلط عليهما الأمر؟ فتدبّر.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من تسليم ذلك في مثل تكليف الكفّار بالفروع إنّما هو على سبيل التنزّل وفي بادئ النظر ، وإلاّ فالنظر الدقيق ممّا يحيل ذلك فيه أيضا.
وبيانه : أنّ إمكان الفعل حال عدم المقدّمة إن اريد به الإمكان الذاتي مع قطع النظر عن وقوعه في الوجود ، فلا يفرق ذلك بين أن يؤخذ بشرط الوصف أو في حال الوصف ، ضرورة اجتماع الإمكان الذاتي مع الامتناع العرضي. وإن اريد به الإمكان بمعنى وقوعه في الخارج ووجوده فيه فالضرورة قاضية بامتناع الوجود حال العدم ، وإنّما الفرق إنّما هو بالنسبة إلى الآن الثاني من زمان الامتناع. وذلك ظاهر في الغاية.
وأمّا الجواب عن الثاني : فيتوقّف على تحقيق القول فيما تداول بينهم ، من أنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار. فقيل بالمنافاة مطلقا (٢). وقيل بها فيما إذا لم يكن
__________________
(١) حاشية سلطان العلماء : ٢٨٠.
(٢) لم نعثر على قائله.