الاختيار باقيا ، كما في تكليف الكفّار (١). وقيل بالتفصيل بين الخطاب فقال بها ، والعقاب فقال بعدمها (٢).
والتحقيق أن يقال : هذه القضيّة إنّما اشتهرت بين العدليّة كقضيّة اخرى قائلة : بأنّ الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار. وهاتان القضيّتان إنّما سيقتا (٣) في قبال الأشعري القائل بأنّ بعد وجود العلّة التامّة لأحد طرفي الممكن لا يعقل القول ببقاء الاختيار لامتناع التخلّف ـ ومن هنا التجأ بعض الأخباريّة من أصحابنا (٤) إلى جواز التخلف ـ وعند عدمها يمتنع وجود الفعل لبطلان الأولويّة الذاتيّة ، فإنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد وما لم ينسدّ جميع أنحاء وجوده ولم يمتنع لم يعدم. والمقصود منها هو : أنّ الامتناع الحاصل بسبب اختيار الفاعل أحد طرفي الفعل الممكن صدوره وعدمه منه لا ينافي كون الفعل اختياريّا للمكلّف والفاعل ، فيعاقب عليه أو يثاب لأجله ؛ ومن هنا تراهم يعقّبونه بقولهم : « بل يؤكّده » فإنّ التأكيد إنّما هو بواسطة أنّ الامتناع إنّما هو بواسطة اختيار المكلّف صدور الفعل ، ولا مدخل لذلك فيما نحن بصدده.
وتوضيحه : أنّ هناك مطلبين ، أحدهما : أنّ الفعل الاختياري هل يخرج عن كونه اختياريّا بواسطة عروض الامتناع عليه حين اختيار الفاعل أحد طرفي الفعل أولا؟ والثاني : أنّ بعد عروض الامتناع له ولو بواسطة الاختيار هل يصحّ التكليف بذلك الفعل الممتنع أولا؟ والقضية المذكورة إنّما هي مسوقة في المقام
__________________
(١) لم نعثر عليه.
(٢) قاله القزويني في ضوابط الاصول : ٨٢ و ١٥١ ، والسيد الكاظمي في الوافي : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٣) في ( ط ) : إنّما هما مسوقتان في كلامهم.
(٤) راجع لما قاله الأشاعرة وما التجأ إليه بعض الأخبارية ، الفوائد المدنيّة : ٢٤٤.