وأمّا الثاني : فلأنّ العقاب على فعل غير مقدور ممّا لا يستحسنه العقلاء. نعم ، لو اريد بالعقاب هو العقاب بواسطة تفويته التكليف وتسبيبه لعروض الامتناع لم يكن بعيدا عن الصواب.
فالّذي يتأتّى على مذهب العدليّة هو القول الأوّل ، ولا وجه للمنع عن بطلان التالي في الاستدلال المذكور ، كما هو ظاهر.
وأمّا الجواب عمّا تكلّفه المحقّق المزبور (١) ففي غاية الظهور ، إذ على ما زعمه لا فرق بين التكليف بالامور المستحيلة الذاتيّة وبين المطالب الممتنعة بالعرض ، فإنّ بيان المصالح المودعة في الأشياء لا يختصّ بالأمور الممكنة.
لا يقال : ذلك بواسطة إمكان صدورها عن المكلّفين.
لأنّا نقول : وهذا هو الوجه في امتناع التكليف في الممتنعات العرضيّة أيضا ، لعدم إمكان صدورها عنهم ، على أنّ الضرورة تشهد بأنّ أوامر الله تعالى ليست من قبيل أوامر الطبيب على وجه تكون خالية عن المولويّة ، بل التحقيق أنّها من قبيل أوامر المولى الطبيب بالعبد (٢) المريض ، ولا يعقل إنكار الطلب رأسا في الأوامر الشرعيّة. ولعلّ الّذي دعاه إلى ذلك هي الشبهة المعروفة في تصحيح تكليف الكفّار والعصاة ، حيث إنّه بعد العلم بعدم وقوع المكلّف به في الخارج لا وجه للتكليف والطلب. وقد تعرّض أصحابنا لدفعها في الكتب الكلاميّة (٣) بما لا مزيد عليه.
والتحقيق في الجواب أن يقال : إن أراد المستدلّ من بقاء التكليف حال ترك المقدّمة كون الفعل بحيث ينتزع منه وصف الوجوب وإن لم يكن موردا للطلب الفعلي
__________________
(١) تقدّم كلامه في الصفحة : ٤٠٩ ـ ٤١٠.
(٢) كذا ، والمناسب : للعبد.
(٣) راجع كشف المراد : ٣٢٢ ـ ٣٢٤.